لِمَاذَا يَهْرُب إبْرَاهِيمَ مِنْ أَبِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكَيْفَ كَانَتْ النِّهَايَة؟
مِنْ مِنَّا لَا يُعْرَفُ قِصَّةُ
سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ قَوْمِهِ عِنْدَمَا دَعَاهُمْ
إلَى عبادة اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ و تَرْك عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، لَكِنَّهم
رَفَضوا دَعْوَتُه مُتَمَسِّكِين بِدَيْن آبَائِهِم فأردوا أن يَنْتَقِموا مِنْهُ
بإحْرَاقَه فِي النَّارِ، لَكِنْ اللَّهَ جَعَل النَّار بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى
سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمُ، حَيْثُ ظلت النار مشتعلة
عِدَّةَ أَيَّامٍ دُونِ أَنْ يَحْتَرِقَ وَحِين إنطفأت النَّار خَرَج
سَيِّدُنَا إبْرَاهِيمُ سالَمَّا لَمْ
يَمَسَّهُ شَيْءٌ، كَانَ أَبِيه آزَر مِنْ أَشَدِّ الْمُعَارِضِين لَهُ وَلَكِنْ
عِنْدَمَا يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمٌ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ
يَتَبَرَّأ سَيِّدُنَا إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ أَبِيهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ ويسخط الله والده ضبعا إمَام
عَيْنَاه، قد يَسْأَل البعض لِمَاذَا
رَفَض سَيِّدُنَا إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ الشَّفَاعَة لِأَبِيه آزَر
وهَرَبُ مِنْهُ بَعْدَ مَا عَلَمُ أَنَّهُ مَاتَ مُشْرِكًا؟ ولماذا سيسخط اللَّهُ
والَده ضبعًا إمَام عَيْنَاه؟
لِمَاذَا يَهْرُب إبْرَاهِيمَ مِنْ أَبِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكَيْفَ كَانَتْ النِّهَايَة؟ |
قِصَّةُ سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
عِنْدَمَا دَعَا قَوْمَهُ إلَى عِبَادِهِ اللَّهِ وَتَرْكِ عِبَادَةِ
الْأَصْنَامِ لَكِنَّهُم رفضوا دَعْوَتِه مُتَمَسِّكِين بِدَيْن آبَائِهِم ظننا
مِنْهُمْ إنَّهَا تَقْضِي حَوَائِجهَم، فكَانَ أَوَّلَ مَا بَدَا بِهِ دَعْوَة
أَبِيهِ إلَى الْإِسْلَامِ وَإلى التَّوْحِيد فَقَالَ لَهُ:( بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا
يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ
جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا
سَوِيًّا يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ
لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ
الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ
آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي
مَلِيًّا صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمِ)، وَعِنْدَهَا إنْتَفِضُ أبِيهِ وَاقِفًا
وَهُو يَرْتَعِش مِنْ الْغَضَبِ قَالَ لإبْرَاهِيمُ وهو ثائر إذَا لَمْ
تَتَوَقَّفْ عَن دعوتك هَذَه فسوف أرجمك وسأقتلك ضَرْبا بِالْحِجَارَةِ، هَذَا
جَزَاءُ مِنْ يَقِفُ ضِدّ إلَّا لَهَا أَخْرَجَ مِنْ بَيْتِي لَا أُرِيدُ أَن أراك
وَانْتَهَى الْأَمْرُ وَأسْفَر الصِّرَاع عن طرد سيدنا إبْرَاهِيمَ مِنْ بَيْتِه،
كَمَا أَسْفَر عَن تَهْدِيده بِالْقَتْل رَمْيًا بِالْحِجَارَة رَغِم ذَلِكَ
تَصَرُّفَ إِبْرَاهِيمُ كابْنُ بَارّ وَنبَّي كَرِيم خَاطَبَ أَبَاه بِأَدَب
الْأَنْبِيَاءَ قَالَ لِأَبِيهِ رَدًّا عَلَى الاهانات وَالتَّجْرِيح وَالطَرَد
وَالتَّهْدِيد بِالْقَتْل قَالِ:( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سَلَامٌ
عَلَيْك سأستغفر لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً صَدَقَ اللَّهُ
الْعَظِيمِ) وَشَرَعَ
إِبْرَاهِيم إلى دَعْوَة قَوْمِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيأَمُرَهُم بنبذ
الْأَصْنَام لَكِنَّ القَوْمَ لَمْ يستجيبوا إِبْرَاهِيم دَعْوَتِه وَأَصَرُّوا
عَلَى الشَّرِكَ، وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ (عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَلْقَى
إبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْم القيامة وَعَلَى وَجْهِ أَزْرَ قَتَرَةَ
وغَبَرةَ، فَيَقُولُ لَهُ إبْرَاهِيمُ: ألَم أَقُل لَك لَا تَعْصيَنِي؟ فيَقُول
أَبُوه: فَالْيَوْمَ
لَا أَعْصيك، فيَقُولُ إبْرَاهِيمَ: يَا رَبِّ إنَّك وعدتني أن لا تخزيني يَوْمِ
يُبْعَثُونَ فَأَيِّ خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إنِّي حَرَّمْت
الْجَنَّةِ عَلَى الْكَافِرِينَ، ثم يقَالُ يَا إبْرَاهِيمُ مَا تَحْتَ رجُليك
فينْظَرُ فَإِذَا هُوَ بذيخ مُتلطْخ فيُؤْخَذ بِقَوَائِمِه فَيُلْقَى فِي النَّارِ)، يرى
إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى
وَجْهِهِ سَوَادِ مِنْ كَثْرَةِ الْكَآبَةِ وَالْحُزْنِ يُغَطِّيه الْغُبَار
الْأَسْوَد فيقولوا لَهُ إبْرَاهِيمُ: ألَم أَقُل لَك لَا تَعْصيَنِي؟ يَرِدُ
عَلَيْهِ أَبَاهُ لَيَقُولُ لَهُ الْآنَ لَا أَعْصيك يَا إبْرَاهِيمُ، فيدعوا إِبْرَاهِيمَ
رَبُّهُ لَقَد وَعَدَتْنِي أَنْ لَا تؤخذيني وَلَا تَفْضَحْنِي يَوْمَ
الْقِيَامَةِ يَوْمٌ الْبَعْثِ فَأَيِّ هلاك هَذَا الَّذِي أُقَعَ فِيهِ أَبِي،
إنه سَيَّبعد ويُلْحِق بأهل النار بعيدا عن رَحِمَةُ اللَّهُ بَعِيدًا مِنْ
كَثْرَةِ الْهَلَاك، لِأَنَّ الْفَاسِقَ بَعِيدٌ وَالْكَافِر أَبْعَد و رَحِمَهُ
اللَّهُ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ وَإلى الْأَوْلِيَاء وَالْأَنْبِيَاء أقْرَب،
فيقُولِ اللَّهِ تَعَالَى:( إنِّي حَرَّمْت الْجَنَّةِ عَلَى الْكَافِرِينَ
وَسَأَلُ اللَّهَ إبْرَاهِيمَ مَا هَذَا الَّذِي تَحْتَ قَدَمَيْك يَنْظُر
إِبْرَاهِيمَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ فَيَجِد أَبَاه أَزر وهُوَ أَشْبَهُ بِالضبْع
الْكَثِيف الشَّعْر متلطخ بدَّمِهِ أَوْ بالطِّينِ فيؤخذْ مِنْ قِوَائمِهِ أي
أرَّجُل الدابة رِجْلَيْه وقَدَميه
فيُطَرَح فِي النَّارِ وَالْعِيَاذ بالله، لَقَد غَيْرِ اللَّهِ شَكْلِه
كَي لَا يَخذي خَلِيلِهِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَيَفْضَحُهُ عَلَى
رُؤُوسِ الْخَلَائِق (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا
عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ
لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ)، وَبِهَذَا
يَتَبَيَّنُ أَنَّ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلُ لَمْ يَتَبَرَّأْ مِنْ أَبِيهِ فِي
حَيَاتِهَا، بل لَمْ يَزَلْ مسْتَغْفِرا له حَتَّى مات مُسْتَغفرا له حَتَّى
بَعْدَ الْمَمَات، وَأَنَّهُ لَمْ يَكْشِفْ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ اللّهِ إلَّا فِي
الْآخِرَةِ حِينَمَا يَلقاه و يَطلب لَه الشفاعة، فيعلمه اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ
الْجَنَّة حَرَامٌ عَلَى الْكَافِرِينَ، فَيعَلم حينَ إذَا أَنَّهُ عَدُوٌّ
لِلَّهِ وَ يَتَبَرَّأ مِنْهَ ويهرب سَيِّدُنَا إبْرَاهِيمُ مِنْ أَبِيهِ قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَوْمَ يَفِرُّ
الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ صَدَقَ
اللَّهُ الْعَظِيمِ)، يقْصِد هُنَا بِأَبِيه هروب سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ مِنْ
وَالِدَه، وَهَذِهِ هِيَ نِهَايَةٌ آزر هَذِه النِّهَايَةُ الَّتِي لَمْ تَأْتِي
بَعْدَ لَكِنَهَا سَتَأْتِي حَتْمًا لَأَنْ الْخَبَرَ جَاءَ مِنْ الصَّادِقُ
الْمَصْدُوقُ وهو رسولنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
تعليقات