لِمَاذَا يُنَادَى عَلَى الْإِنْسَانِ بِاسْم أُمِّه يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَاذَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِأَوْلَادِ الزِّنَا ؟
يَوْمَ الْقِيَامَةِ هو يَوْمٌ عَظِيمٌ يَقُوم فِيهِ النَّاسُ مَنْ
قُبُورِهِمْ لرَبِ الْعالَمِين، يسارعون إلَى اللَّهِ مِنْ أَجْلِ عَرَض
أَعْمَالِهِم ومحاسبتهم عَلَيْهَا، حَيْثُ يُوضَعُ الصِّرَاطِ وَيُوضَع الْمِيزَان
ونادى عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ، فَكَيْف يُنَادِيَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ هل
سينادى بإسمه فقط أم سينسب إلى أمه أم إلى أَبِيه أم سيَكُون النِّدَاء بِأُمِّه
سترًا عَلَى مَنْ وَلَدِ بِطَرِيقِ غَيْرِ شَرْعِيَّ.
لِمَاذَا يُنَادَى عَلَى الْإِنْسَانِ بِاسْم أُمِّه يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَاذَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِأَوْلَادِ الزِّنَا ؟ |
فقد دَلَّت الْأَدِلَّةِ الصَّحِيحَةِ عَلَى أَنَّ النَّاسَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ يَدْعُون بِأَسْمَائِهِم مَنْسُوبين إلَى آبَائِهِمْ لا إلَى
أُمَّهَاتِهِمْ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: ( عَنْ ابْنِ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: إذَا جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ الله لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
فَيُقَالُ: هَذِهِ
غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، فغدرة فُلَانٍ بْنِ فُلَانٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
النَّاسَ يَدْعُونَ فِي الْآخِرَةِ بأَسْمَاءَهُم وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ)، قَالَ
الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّاسَ
يَدْعُونَ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ فِي هَذَا الْمَوْقِفُ
الْعَظِيم، وقَالَ ابن بطال: إنْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَة بَيْنة عَلَى
مُنَادَاة النَّاس بِأَسْمَائهُم وأَسْمَاء آبَائِهِم بِأَنَّ ذَلِكَ أبلغ فِي
التَّمْيِيزِ وأقوى في التعريف، وهو رد عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ النَّاسَ
يُنَادُون يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَاء أُمَّهَاتُهُم حَتَّى يَسْتُرَ عَلَى
آبَائِهِمْ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ:( قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكُمْ
تَدْعُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بأسمائكم وَأَسْمَاءُ آبَائِكمْ فَأَحْسِنُوا أسمائكم) وَقَالَ
الْقُرْطُبِيُّ فِي تَصْوِيرِ مَشْهَد الْحِسَابِ: فتوهم نَفْسِك
يَا أَخِي إذَا تَطايَّرَتْ الْكُتُب وَنُصِبَت الْمَوَازِين وَقَدْ نوديت باسْمُك
عَلَى رُؤُوسِ الْخَلَائِق أَيْنَ فلان ابن فلان؟ هلم إلَى الْعَرْضِ عَلَى
اللَّهِ تَعَالَى، وقد ذَكَرَ بَعْضَ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:( يَوْمَ نَدْعُو
كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) قَالُوا إنَّ الْمُرَادَ هُنَا الْأُمَّهَات أي يَوْم يُدعى كل إِنْسَانِ بِاسْم أُمِّه
وَذَلِكَ يوم القيامة، ومِنْ من نقل ذَلِكَ الْقُرْطُبِيّ وَضَعَّفَه فَقَال: وَقُل مُحَمَّدُ
بْنُ كَعْبٍ بإمامهم وَإمَام جَمْعٌ أَمْ، وقد أيد بَعْضُ الْحُكَمَاءِ هَذَا
الرَّأي لِأَنَّ فِيه تَكْرِيمِ لِنَبِيِّ اللَّهِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ،
وَإِظهار لشرف الْحُسْنِ وَالْحُسَيْنُ وحَتَّى لا يفتضح أَوْلادِ الزِّنَا، فزعم
بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُمْ يُدْعَوْنَ بِأُمَّهَاتِهِم وَاحْتجوا فِي ذَلِكَ
بحَدِيثُ لَا يَصِحُّ (مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذَا مَاتَ أَحَدُ مِنْ إخْوَانِكُمْ فسويتم التُّرَابِ عَلَى قَبْرِهِ فَلْيَقُم أَحَدُكُمْ
عَلَى رَأْسَ قَبْره ثُمَّ لِيَقُلْ يَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانَةُ فَإِنَّهُ
يَسْمَعُ وَلَا يُجيب، ثُمَّ يَقُولُ يَا فُلَانُ بْنِ فُلَانه فَإِنَّهُ
يَسْتَوِيَ قَاعِدًا ثُمَّ يَقُولُ يَا فُلَانُ بْنِ فُلَانه فَإِنَّهُ يَقُولُ
أَرْشَدَنَا رحمك اللَّهِ وَفِيه فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أُمَّهُ قَالَ: فينسبه إلَى
حَوّاءَ، فَيَقُولُ يَا فُلَانُ ابن حَوَّاء) وَهَذَا حديث
ضعيف بإتفاق أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، وَأَمَّا مَنْ إنْقَطِعُ نَسبهُ مِنْ
جِهَةِ أَبِيهِ فَإِنَّهُ يُدْعَى مَا يُدَّعَى بِهِ فِي الدُّنْيَا، فالعبد يدعى
فِي الْآخِرَةِ بمَا يُدَّعَى بِهِ فِي الدُّنْيَا من أَبِ أو أم، وَأَمَّا
حَدِيثُ أَنَّ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدْعُون بِأُمَّهَاتِهِم لِآ
بَآبائِهِم سَتْرًا مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ، فَهُوَ حَدِيثٌ باطل
وَلَا صِحَّةَ له، فهو حَدِيثِ مَوْضُوع مُتَفِقٌ عَلَى ضَعْفه فَلَا تَقُومُ بِهِ
حجة، فالْأَحَادِيثِ لا تثبت عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَاداة بِاسْم الْأُمّ و
لَا يُعَوَّلُ عَلَيْها وَلَا يَعْمَلُ بِهَا، فالنَّاسُ يَدْعُونَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ بآبائهم كما صِحَّةٌ الْأَحَادِيثِ بِذَلِكَ وَلَا يدْعَوْنَ
بِأُمَّهَاتِهِم وَعَلَى الْمُسْلَمِ أَنْ يَستعد لليَوْم الْآخَرُ بِالْعَمَلِ
الصالح وتقوى اللَّهِ، فإن إستعد بِالعَمَلِ الصَّالِح فلا يؤثر فيه إن دعي
بِأَبِه أَوْ بأمه، هذا تَعَالَى أَعْلَم وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ
عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
تعليقات