لِمَاذَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْنَا شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا وَحَالَةٌ فِي الْآخِرَةِ وَاجْعَلْه شَرَابَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟
حرم اللَّهُ عَلَيْنَا أَشْيَاءَ لَمْ
يُحَرِّمُهَا فِي الْأَدْيَانِ السَّابِقَة ، فَمِنْ هَذَا تَحْرِيمُ شُرْبِ
الْخَمْرَ فَلِمَاذَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا
وَأَحَلَّه وَاجْعَلْه ثَوَابًا فِي الْآخِرَةِ؟
خمر الدنيا:
قال اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ
عَنْ خَمْرٍ الدُّنْيَا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ
وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ
فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، قَالَ سَيِّدُنَا عُثْمَانُ بْنِ
عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ
، فَإِنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِنْ خَلَا قَبْلَكُم تَعَبُّدٌ فَعَلَّقَتْه وعشقته
وأحببته امْرَأَة غوية ، فَأَرْسَلَت لَه جَارِيَتُهَا فَقَالَتْ لَهُ : أَن نَدْعُوك
لِشَهَادَةٍ فَدَخَلَ مَعَهَا فطفقت كُلُّ مَا دَخَلَ بَابًا أَغْلَقَتْهُ دُونَهُ
حَتَّى أَفْضَى إلَى امْرَأَةٍ وَضِيئَةٍ جَمِيلَة حَسَنَة عِنْدَهَا غُلَامٌ
وَبَاطِيَةٌ إنَاءٍ خَمْرٌ ، فَقَالَتْ إنِّي وَاللَّهِ ما دعوتك لِلشَّهَادَة
وَلَكِنْ دَعَوْتُك لِتَقَع عَلِيّ ، أَوْ تَشْرَبَ مِنْ هَذِهِ الْخَمْرَة
كَأْسًا ، أَو تَقْتُلَ هَذَا الْغُلَامُ ، قَال : فاسقني مِنْ
هَذَا الْخَمْرَة كَأْسًا ، قَال زيدوني فَلَمْ يَرُمْ وَلَمْ يَبْرَحْ حَتّى
وَقَعَ عَلَيْهَا وَقَتَلَ النَّفْسِ ، فَاجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا
وَاَللَّهِ لَا يَجْتَمِعُ الْإِيمَانُ وَإِدْمَانُ الْخَمْرِ إلَّا لَا يُوشِكُ
أَنْ يَخْرُجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ، قَالَ إنْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (وسع الْحُرُمَات فِيهَا وَلَعَن فِي الْخَمْرَةِ عَشْرَةً
فَلَعَن ذَاتِهَا وَلَعَن شَارِبُهَا وَلَعَن الْجَالِسَ فِي مَجْلِسِهَا وَلَعَن
سَاقَيْهَا وَلَعَن حَامِلَهَا وَلَعَن عَاصِرَهَا وَلَعَنَ مَنْ خَمْرِهَا
وَلَعَنَ مَنْ زَرْعٍ عنبتها وَلَعَن بَائِعِهَا وولعن مشتريها) ، وَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْخَمْرَ أُمَّ
الْفَوَاحِش و أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَأَمُّ الْخَبَائِث مِنْ شُرْبِهَا وَقَعَ
عَلَى أُمِّهِ وَخَالَتِهِ وَعَمَّتِهِ) وَهَذَا مِنْ أَدلِة صدق نَبِيِّنَا
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلَقَدْ وَقَعَ مَا أَخْبَرَ
به، أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأ ذَلِك
الشَّابّ الَّذِي رَجَعَ بَيْتِه سَكْرَان فوقع عَلَى أُمِّهِ بَعْدَ مَا أَخَذَ
السِّكِّين وهددها بقتل نَفْسِهِ أَنْ لَمْ تَفْعَلْ، فَأخذتها الشفقَة
وَإِجَابَتُه فَلَمَّا أَفَاقَ وَدرى بما وَقِع قَتَلَ نَفْسَهُ، وَذهب عمر بْنِ
الْخَطَّابِ ومعاذ بن جبل رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ونفر مِنْ الْأَنْصَارِ إلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ
أفتنَا فِي الْخَمْرِ والميسر فإنهما مسلبة للعقل وضياع للمال، فقال عمر: اللهم بين لنا في
الخمر بَيَانًا شَافِيًا، فنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ:( يَسْأَلُونَكَ
عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرُ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ)، فدعى عمر فقرأت
عَلَيْهِ فَقَالَ: اللّهُمّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا
فنزلت الْآيَةِ الَّتِي فِي النِّسَاءِ:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى)، فَكَانَ
مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَقَامَ
الصَّلَاةَ، نادى أن لا يقربن الصلاة سكران، فدعى عُمَرُ فقرأت عَلَيْهِ فَقَالَ: اللّهُمّ بَيِّنْ
لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا، فَنزلت تِلْكَ الْآيَةِ الَّتِي فِي
الْمَائِدَةِ فِدعى عُمَر فقرأت عَلَيْهِ:( فَلَمَّا بَلَغَ
فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)، قال عُمْر: انْتَهَيْنَا يَا رَبِّ انْتَهَيْنَا، قال
بن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:( لَمَّا حُرِّمَتْ الْخَمْرُ مشى رجال مَنْ أَصْحَابِ
رَسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ وَقَالُوا: حُرِّمَتْ
الْخَمْرُ وَجعلت عدلا للشرك، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: مِنْ
شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا).
خمر الآخرة:
أَما خمَر الْأُخْرَى الَّتِي
يُكَافِئ اللَّهُ بِهَا الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ، فقد قَالَ تَعَالَى:( مَّثَلُ
الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ
آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ
خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ۖ وَلَهُمْ
فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ۖ كَمَنْ هُوَ
خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ)، قَالَ تَعَالَى:( يُطَافُ
عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ فِيهَا غَوْلٌ
وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ)، فوصف الله تعالى خَمْرُ الآخرة بأنها بيضاء فيها
لذة لِلشَّارِبِين عِنْدَ شُرْبِهُم
يَتَلَذَّذون بِهَا، لَا غوَلٌ فِيهَا وَلَا أَذى وهو مَا يُصِيبُ شُرْبَهَا فِي
الدُّنْيَا مِنْ صُدَاعٍ أَوْ أَلَمٍ فِي ابَطْنِه أو ذهابا الْعَقْل قَالَ تَعَالَى: (لَا يُصَدَّعُونَ
عَنْهَا) أَيْ لَا
يُصِيبُهُم مِنْهَا صُدَاع، فخَمْر الْآخِرَة طَيَّب لَيْسَ فِيهِ أسكَار
وَلَامضرة وأَذًى وَلَيْسَ فِيهَا غوَل لَا يُنْزَفُ صَاحِبِه وَلَيْسَ فِيهِ مَا
يُغْتَال الْعُقُولِ وَلَا مَا يَضُرُّ الأبدانْ. هَذَا
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَم وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى
سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ اجمعين
تعليقات