أجرَأ مَرْأَةِ فِي الْإِسْلَامِ جادلت النَّبِيّ فَسَمِعَها اللَّهِ وَ حَدَثَ مَا لَمْ تتوقعه وَوعظت عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حَتَّى كادٌ يَبْكِي
كانت الصحابيات فِي عَهْدِ الرَّسُولِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَجْمَات تتلألأ فِي سَمَاءِ الْإِيمَانِ
حَتَّى أضئن الدُّنْيَا بنور الإيمان
بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَلَائِكَتِه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، و هنَاكِ من
نزلت فيهن بَعْضَ الْآيَات
الْقُرْآنِيَّةِ الَّتِي تُوضِحُ بَعْضِ الْأَحْكَامِ الدِّينِيَّةِ، فمن هي
الْمَرْأَةِ الَّتِي جادلت الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ سَمِعَ
اللَّهُ شَكَوَاهَا مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ وَأَجَابَه اللَّهُ فِي قُرْآنٌ
يُتْلَى إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَتَوَقَّف مِنْ أَجْلِهَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِوعِظَتِهِ مَوْعِظَة قَوِيٌّ جِدًّا
حَتَّى كاد يبكي.
أجرَأ مَرْأَةِ فِي الْإِسْلَامِ جادلت النَّبِيّ فَسَمِعَها اللَّهِ وَ حَدَثَ مَا لَمْ تتوقعه وَوعظت عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حَتَّى كادٌ يَبْكِي |
اسمها ونسبها:
أَنَّهَا خَوْلَةُ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ ابْنِ اُسْرَم ابْن فَهْدُ بْنُ
ثَعْلَبَةَ ابْنُ غلم ابْنِ عَوف، مِنْ رَبَّات الْفَصَاحَةُ وَالْبَلَاغَةُ
وَالْجَمَال وصَاحِبِة النسب الرفيع، زَوْجِهَا هُو أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا أَخُو عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،
وَهُوَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَأَغْلَب الْغَزوات مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وانجبت مِنْهُ زَوْجَتُهُ خَوْلَة
وَلَدِهِمَا الرَّبِيع ابْن أَوْس،
قصة الجدال الذي وقع بينها وبين الرسول:
يُرْوَى أَنَّ خَوْلَة كَانَتْ
تُصَلِّي، بينما رأها زوجها، فلَمْ
سَلِّمْت راودها عَنْ نَفْسِهَا فرفضت فغَضَب، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهَا
رَاجَعَتْ زَوْجِهَا فِي شَيْءٍ مَا فاخْتَلِفا فِي ذَلِكَ وغَضِبَ مِنْها وقَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ
كَظَهْرِ أُمِّي، فقَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ خَوْلَة والدموع تنهمر مِن عَيْنَيْهَا
لِشِدَّةِ مَا سَمِعْت مِنْهُ: وَاَللَّهُ لَقَدْ تَكَلَّمْت بِكَلَامٍ عظيم مَا أَدْرِي مَبْلَغه، ثُمَّ خَرَجَ الزَّوْجِ
بَعْدَ أَنْ قَالَ مَا قَالَ فجلِسْ فِي نَادِي الْقَوْم سَاعَةً، ثُمَّ دخَلَ
عَلَيْهَا يراودها عَنْ نَفْسِهَا وَلَكِنها امْتَنَعَت حَتَّى تَعْلَمَ حُكْمُ
اللَّهِ، فَقَالَتْ: كلَا والذي نفس خَوْلَة بِيَدِه لَا تَخْلُصُن إِلَيَّ وَقَدْ قُلْت مَا قُلْت حَتَّى
يُحْكَمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ فِينَا بِحُكْمِه، خرجت خولة حَتَّى جَاءَتِ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فذِكْرِ
لهِ مَا لَقِيت مِنْ زَوْجِهَا، وَهِيَ بِذَلِكَ تُرِيدُ أَنْ تستفتيه وتجادله فِي
الأمر، فقالت له: يَا رَسُولَ اللَّهِ إن أوسا مِنْ قَدْ عَرَفْت أبو وَلَدِي
وَبن عَمِّي وَ أَحَبُّ النَّاسِ إلَيْ، وَقَدْ عَرَفْت مَا يُصِيبُهُ مِنْ
اللَّمم وعجز مَقَدَرْته وَضعِف قُوَّتِه وَعَيِّ لسَانَه وَأحَق مِنْ عَادَ
عَلَيْهِ أَنَا بِشَيْء إن وَجَدْته وَأَحَقُّ مَنْ عَادَ عَلَيْ بِشَيْءٍ مَا هُوَ
أَنْ وجده هو، إن لى صبية صغارا إن ضممتهم إلي جاعوا، وَإنْ ضَمّمُتَّهَم إلَيه
ضاعوا، وَقَدْ قَالَ كَلِمَةً وَاَلّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مَا ذُكِرَ
طَلَاقًا، قَالَ: إنْت علي كظهر أُمِّي، فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَرَاك إِلَّا قَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ، وَفِي
رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا عِنْدِي فِي
أَمْرِك شَيْءٌ، وَ الْمَرْأَة الْمُؤْمِنَة تعيد الْكَلَام و تُبين لرَسُولَ
اللَّهِ مَا قَدْ يُصِيبُهَا وَإِبنَّهَا إذَا افْتَرَقَتْ عَنْ زَوْجِهَا، وَفِي
كُلِّ مَرَّةٍ يَقُولُ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَا أَرَاك إِلَّا قَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ، تَقُولُ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهِيَ تَصِف لَنَا حَالَة خَوْلَة: وَلَقَد بَكَيْت
وبكى مَنْ كَانَ مِنْهَا وَمِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ رَحِمَةً لَهَا وَرقةً
عَلَيْهَا، وأزاحت الصَّحَابِيَّة الْجَلِيلَة الْمُؤْمِنَة الصَّابِرَة نَفْسِهَا
و رَفَعْتُ يَدِيها إلَى السَّمَاءِ وَفي قلبها حزن وأسى وَفِي عَيْنَيْهَا دموع
وَحَسْرَة قَائِلُه: اللَّهُمَّ إنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ شِدَّة وَجَدِّي، وما
شق عَلَى من فِرَاقُه، اللَّهُمَّ أنزل
عَلَى لِسَانِ نَبِيِّك مَا يَكُونُ فِيهِ فَرْج، وما كادت تفرغ من دُعَائِهَا
حَتَّى تُغْشى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ
يتغشاه عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ، ثم سري عنه فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا خَوْلَةُ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيك وَفِي
صَاحِبِك قُرْآنا، ثم قْرَأ عَلَيْهَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى:( قَدْ سَمِعَ
اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وتشتكي إلَى اللَّهِ وَاَللَّهُ
يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إنَّ اللَّهَ سميع بصير)، وظل يقرأ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى الْآيَةُ الرَّابِعَةُ مِنْ سُورَةِ
الْمُجَادَلَةِ، وهي الآيات الَّتِي
تُوضِحُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، تقول خَوْلةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَقَالَ لِي
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مريه فليعتق
رقبة، قَالَت:
فَقُلْتُ:
وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَهُ مَا يَعْتِقُ قَال فَلْيَصُم
شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، قَالَت: فَقُلْتُ: وَاَللَّهِ يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا به من صيام، قال: فليطعم سِتِّينَ
مِسْكِينًا، وسقا مِنْ تمرِ، قالت: قفلت: وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا ذَاك عِنْدَهُ، قَالَت: فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنَّ سنعينه
بعرق من تمر، قالت: فقلت: وأنا يَا رَسُولَ اللَّهِ سأعينه بعرق آخَرَ، قَالَ: قَدْ أَصَبْتَ
واحسنت، فاذهبي فَتَصَدَّقي عَنْهُ، ثُمَّ اِسْتَوْصَى بِابْنِ عَمّك خَيْرًا،
قَالَت: ففْعَلت)
قصتها مع عمر بن الخطاب:
ومما روي فِي شَأْنِ خَوْلةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرَّ بِهَا
فِي زَمَنِ خِلَافُته وهو أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وكان راكب على حمار، فاستَوَقَّفَته
خوله طَوِيلًا وَوعظته وَقَالَتْ لَهُ: يَا عُمَرُ عاهدتك وَأَنْتَ تَسْمَى
عُمَيْرَا فِي سُوقِ عُكَاظٍ ترعى الضأن بعصاك، فلم تذهب الأيام حَتَّى سُمِّيَت
عُمَر ثم تذهب الْأَيَّامِ حَتَّى سُمِّيَت أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فإتَّقِي
اللَّهَ فِي الرَّعِيَّةِ وَاعَلِمَ أَنَّهُ مِنْ خَافَ الْوَعِيدِ قرب عليه
الْبَعِيدِ، ومن خاف بِالْمَوْت خشي الفوت، وَمِنْ أَيِّقَن بِالْحِسَاب خَاف
الْعَذاب، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاقِفٌ إمَامهَا
يَسْمَعَ كَلاَمَها في إمعان، وقد أحنى رأسه مصغيا إليها، وَقَدْ كَانَ برفقته
أَحَدٌ مرافقيه وَهُو جارود الْعَبْدي فلم يستطع صبرا لَمَّا قَالَتْه خَوْلَةُ
لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ لَهَا فِي غَضَبِ: قَدْ أَكْثَرْت
أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ الْعَجُوز عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عُمَرُ
بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: دعها أما تَعْرِفُهَا هَذِه خَوْلَةَ
الَّتِي سَمِعَ اللَّهُ قَوْلِهَا مَنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ وعمر أحق والله
أَنْ يُسْمِعَ لَهَا، وفي رواية أخرى قيل لَهُ: يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ أتقف لهَذِهِ الْعَجُوزَ هَذَا الْمَوْقِفُ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ: وَاَللَّهُ
لَوْ حَبَسْتنِي مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى آخِرِهِ مَا زلَّتْ الصَّلَاةِ
الْمَكْتُوبَةِ أَنَّهَا خَوْلَةُ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلِهَا
مَنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، أيسْمَعُ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَوْلُهَا و لَا
يَسْمَعُهُ عُمَر، إن أمثال خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ لَمْ يَتَوَقَّفْ فِي
الرِّوَايَةِ إمَام تَارِيخ مِيلاَدِهَا ووفاتها وَإِنَّمَا أَثْبَتَ مَوْقِفَهَا
الَّذِي حَفِظَ لَهَا وَحَفِظ لها مكانةً مرموقةً فِي تَارِيخِ الْفِقْه
الْإِسْلَامِيَّ فِي حِلِّ مُشْكِلَةٌ الظهَارِ كما توَقَفوا أمَامَ أَقْوَالِهَا
الَّتِي تَثْبُتُ شَجَاعَة و رَجاحَة عَقْل الْمَرْأَة المسلمة، هَذَا وَاَللَّهُ
تَعَالَى أَعْلَم وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى سَيِّدِنَا
مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ
تعليقات