اقْرَأ هَذِهِ السُّورَةَ الْقَصِيرَةَ قَبْلَ النَّوْمِ وَانْظُرْ مَاذَا يُحَدِّث لَك فِي الصَّبَاحِ
سُورَة الْمُمْتَحِنَة:
تعد سُورَة الْمُمْتَحِنَة مِنْ السُّورِ الْمَدَنِيَّة، نزلت عَلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المدينة بَعْدَ سُورَةِ
الْأَحْزَابِ وَهي في الْجُزْءِ الثَّامن وَالْعِشْرِينَ وفي الحزب الخَامِسٌ
الْخَمْسِين، رقمها مِنْ حَيْثُ التَّرْتِيبِ فِي الْمُصْحَفِ الشَّرِيف ستين،
وعدد آياتها ثَلَاثَ عَشْرَةَ آيَة، وسميت الْمُمْتَحِنَة لِأَنَّهُ وَرَدَ فِيهَا
وجوب إمتحان النِسَاءٌ الْمُؤْمِنَات المُهَاجِرَاتٍ إلَى الْمَدِينَةِ وعَدَمِ
رفضهن إذَا ثبت إيمانهن، فقَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ
اللَّهِ أعلم بإيمانهن).
اقْرَأ هَذِهِ السُّورَةَ الْقَصِيرَةَ قَبْلَ النَّوْمِ وَانْظُرْ مَاذَا يُحَدِّث لَك فِي الصَّبَاحِ |
مَضْمُونٌ سُورَة الْمُمْتَحِنَة:
تبدأ الآيات بالإشارة إلَى فتح
مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ وَإِلى مَا إقْترَفه حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ
عِنْدَمَا أَرْسَلَ يخبر الْمُشْرِكِينَ عَن أسرار الْمُسْلِمِينَ عندما أرادوا
الخروج لفتح مكة، لَكِنْ اللَّهَ كَشْف أَمَرَه فقْبِضَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَعَالَى:( يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ
إلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ
يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بالله ربكم إن كُنْتُمْ
خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابَتغاء مَرَضاتي تسرون إليهم بِالمَوْدِة
وَأَنَا أَعْلَمُ بما اختفيتم وَمَا أَعَلِنتُم وَمَنْ يَفْعَلْه مِنْكُمْ فَقَدْ
ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ)، وَتَحَدَّثَت عَنْ سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمُ وأتباعه
عِنْدَمَا تُبرؤوا من قُوَّمهم الكفار،
ثُمَّ تَبَيَّنَ السورَة مَعِادَاة الْمُسْلمِين للكافرين ولأعداء الله خاصة
بِحَالِه الإعَتَداء وَالْقِتَال، قال تعالى :(لا ينهاكم
اللَّهِ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يخرجوكم مِنْ دِيَارِكُمْ
أَن تبروهم وتقسطوا إلَيْهِمْ أَنْ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، وبينت الآيَات
بَعْدُ ذَلِكَ بَعْضُ الْقَوَاعِدِ الَّتِي يَجِبُ اتِّبَاعُهَا فِي مُعَامَلَةِ
النساء الْمُهَاجِرَات مِنْ ديار الْكُفارِ إلَى دِيَار الإيمان، كأن يتم إمتحانهن
لإثَبَاتَ أَيْمَانِهِن، فإذا ثبت إيمانهن فلايجوز إرجَاعهن إلَى دِيَارِالكفر ، وَأوَجَبت التَّفْرِيقُ
بَيْنَ الْمُؤْمِنِة وزوجها الكافر ودفع المهر له، ويَحِلُّ لِلْمُسْلِمِين
الزَّوَاجَ مِنْ هَؤُلَاءِ المهاجرات إذَا أُعْطُوهن مُهورهن، قَالَ تَعَالَى:( يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ
ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا
تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ
يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن
تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۚ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ
الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ۚ
ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ ۖ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)
فضل سُورَة الْمُمْتَحِنَة:
سُورَة الْمُمْتَحِنَة كالْكَثِيرِ
مِنْ سُؤْرِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ لم ترد في فضُلَهَا أَحَادِيث خاصة بالسُورَةِ
أَنَّمَا وَرَدَت بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَالْمَوْضُوعَة الَّتِي لَا
أَصْلَ لَهَا كالْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ أبي ابن كعب:( أن رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ قَرَأَ
سُورَةَ الْمُمْتَحِنَة كان الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ
الْقِيَامَةِ)
وَفضل سُورَة الْمُمْتَحِنَة كفَضل بَقِيَّة سُوَرِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ،
فِي قِرَاءَتِهِ فضل عظيم وأَجْرًا كَبِيرًا
لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ
رواه عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود:( أَنْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قال:
من قرأحَرْفا من كتاب الله فله بخ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَة بِعَشْرِ
أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ (ألم) حَرْف وَلَكَنْ أَلَفَ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وميم
حرف، وفضل سورة الممتحنة أَيْضًا فِي الْعَمَلِ بِمَا جَاءَت بِهِ مِنْ أَحْكَامِ
وأَوَامِر كَتَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ المُسْلِمَيْنِ فِي
كِتَابِهِ الْكَرِيمِ، فلا عيرة في قِرَاءَةٍ بِدُونِ عَمَلٍ، حَاطِبِ بْنِ أَبِي
بَلْتَعَةَ كان الصَّحَابِيّ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ مِنْ صَحَابَةِ
رَسُولِ اللَّهِ الَّذِينَ شَهِدُوا بَدْرًا، أَسْلَمَ وَهُاجر إلى الْمَدِينَةِ
الْمُنَوَّرَةِ وشارك مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
غَزَوَاتِهِ كُلَّهَا وَكَانَ مِنْ الرماة الماهرين، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَهُ
رَسُولُ اللَّهِ إلَى الْمُقَوْقِسِ عَظِيمٌ مصر، فرجع إليه مَارِيَةَ
الْقِبْطِيَّةِ وَأُخْتُهَا هَدْيَهُ مِنْ الْمِقْوَقس، و لَكِنَّه قبِل فتح
مَكَّةَ أَرْسَلَ رِسَالَةً إِلَى الْمُشْرِكِينَ فِي مَكَّةَ يحذرهم فيها من هجوم
المسلمين عليهم، فكشف الله أمره
لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقبض عَلَيْهِ رَسُولُ
اللَّهِ ثم عفا عَنْهُ كما فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ عَلَيْ بن ابي طالب
قَالَ:(بعثنا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزَّبِير والمقداد
الأسود، فَقَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تأتوا رَوْضَة خَاخ فإن فيها ظعينة
مَعَهَا كِتَابِ فخُذْوه مِنْهَا فأتوني به، فخرجنا تتعادى بنا خيلنا حتى آتينا الروضة
، فَإِذَا نَحْنُ بالظعينه فَقُلْنَا: أخرجي الكتاب، فَقَالَتْ: مَا مَعى من
كِتَاب، فقلُّنَا: لِتَخْرُجَنْ الْكِتَابِ أو لْتلقَيِّن الثِّيَابَ، قَالَ: فَأَخْرَجَتْهُ
مِنْ عقاصهَا، قَالَ: فأتينا به رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أنَّاسِ مَنْ
الْمِشركِينِ بمكة يخبرهم ببَعْض أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فقال: لا تجعل على يا رسول الله، إني كنت أمرا ملصقا في قُرَيْشٍ
ولم أكن مِنْ أَنْفُسِهِا، وَكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بِهَا
أَهْلِهِم و أَموالهم بمَكَّة فَأَحْبَبْت إذا فاتني ذلك من نسب فيهم أن أتخذ فيهم
يدا كُنْت أَتَمَنَّى ذَلِك مُنَاسِبًا فِيهِم يدا يحمون بها قرابتي، وما فعلت ذلك
كفرا وإرتدادا عن ديني وَلَا رِضَا بِالكُفْرِه، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صدق، فَقَالَ عُمَرُ بْنِ الْخَطَّابِ: دعَني يا رَسُولِ
اللَّهِ أضرب عنق هذا المنافق، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أَنَّهُ
قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، فمَا يدُرَيْك لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ،
فَقَالَ: إعْمَلوا
ما شئتم فقد غفرت لكم، قال: وفيه أنزلت هذه السورة، (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ
إليهم بالمودة).
تعليقات