مَنْ هُمْ الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ توعدهم اللَّه بِالْوَيْل فِي قَاعٍ جَهَنَّم احْذَرْ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ
مَنْ هُمْ الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ توعدهم اللَّه بِالْوَيْل فِي قَاعٍ جَهَنَّم احْذَرْ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ |
إذا سمع أحدنا بالوعيد خاف قَلْبِهِ وَضَاق صَدْرِه وَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ
وارتعدت فِيه فِرَائسه وَأرْكانه، فكيف إذَا كَانَ الْوَعيدِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ
فِي أَمْرِ عَظِيمٌ فِي عماد الَّدين وهي الصلاة، قَالَ تَعَالَى:( فَوَيْلٌ
لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يراؤون
وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ )، فويل يعني به العذاب والتهديد ووعيد شديد، وهو وادي
فِي جَهَنَّمَ مِنْ صَدِيدِ أَهْلِ جَهَنَّمَ لِلْمُنَافِقِين الَّذِينَ يصلون
ولَا يُرِيدُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بِصَلَاتِهِم فَهذا التَهْدِيد مِن الْخَالِق الْعَظِيم
لِلْمُصَلِّين الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ
صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ، الَّذِينَ هم يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا فهم
مُصَلُّون ، وَلَكِنَّهُم لَاهون عَنْ صَلَاتِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْدونهَا فِي
وَقْتِهَا وَلَا يطيقونها عَلَى وَجْهِهَا، فقد أفصح النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تعس حَالِهِم ، فَقَال: تلك صَلَاةُ
الْمُنَافِقِ، تلك صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، تلك صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يجلس يرقب
الشمس حتى إذا كانت بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ قام فنقر أَرْبَعًا لَا يَذكر
اللَّهُ فيهَا إلَا قَليلا، فأولئك
المتوعدون بالتهديد والعذاب الشَّديد فَهمَّ الَّذِينَ عَنْ صَلَاتِهِمْ
سَاهُونَ، فالَّذِي يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا يُعْتَبَر ساهيا عَنْهَا
أومضيعا لَهَا، قَالَ تَعَالَى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ
وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيَّاً)، فهو غافل
عَنْهَا مُتَهَاوَنٌ فِي شَأْنِهَا وَليس المراد تَرَكَهَا لأَنَّ تركها كفر بالله
وعذابه أَكْبَر وَإِلَّا لمْ ينكِر وُجُوبِهَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ
فَمَنْ تَرَكَهَا فقد كفر، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ
الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةَ) فهَذَان
الْحَدِيثان همَا حَجة قَائِمَة وَبُرْهَان ساطعٌ عَلى كفر تارك الصَّلَاةُ وإن
لم يُنكِر وُجُوبِهَا، أَم السهو فِي
الصَّلَاةِ فَلَيْسَ هُوَ الْمُرَادُ فِي الآيَةِ وَلَيْسَ فِيهِ الْوَعيد
الْمَذْكُورُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ السَّلَامة منه، فقد سهى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ غَيْرِ مَرَّةٍ كَمَا دَلَّتْ
عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةِ، فعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ:( سَأَلْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم عن الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ
سَاهُونَ قَالَ:
هُمْ الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا الَّذِينَ أما الذين
هُمْ يراءون فهم يُرَاءُونَ النَّاسَ فِي صَلَاتِهِمْ إِذا صلوا ليمدحوهم
ويتركَونهَا إذَا غَابُوا ويؤدون الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ و لَا يُرِيدُونَ
بِهَا وَجْهَ اللَّهِ فَلَا يَصِلُونَ رَغْبَةٌ فِي الثَّوَابِ وَلَا رَغْبَةٍ
مَنْ الْعِقَابِ، وإنما يريدون أن يَمْدَحْهم النَّاسِ فَهَذَا هُوَ الرَّياءُ،
فهو محبط لِلْعَمَل، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( أَخْوَفَ مَا
أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الشِّرْكَ الْأَصْغَرُ، فقيل: وما الشرك الأصغر
يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الرياءَ فَهُو خَطَر شَدِيدٍ ومِنْ صِفَاتِ
الْمُنَافِقِين)، وقد
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:( وَإِذَا قَامُوا إلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى
يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إلَّا قَلِيلًا)، وعن عبد
اللَّهُ بن عباس رضي الله عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ:( إن فِي جَهَنَّمَ لوادي تستعيذ جَهَنَّمُ مِنْ ذَلِكَ
الْوَادِي فِي كُلِّ يوم أربعة مائة مَرَّةٍ أُعد ذلك الوادٍى للمرائين من أمة
محمد لحَامِلٌ كِتَابِ اللَّهِ، وَللْمُتَصدق في غَيْرِ ذَات اللَّهُ، وَ
لِلْحَاجّ إلَى بَيْتِ اللَّهِ، وللخارج في سبيل الله، أَمَّا مَنْ عَمِلَ عَمَلًا
اللَّه فَاطَلَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، فأعجبه ذَلِكَ فَهَذَا لَا يُعَد ريَّاء،
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:( كنت أصَلَّى
فَدَخَلَ عَلَى رَجُلٍ فَاعِجبني ذَلِكَ، فذَكَرْته لرَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كتب لَك أَجْرَانِ أَجْرُ السر وَأُجْرَة
الْعَلِانية)، وأما
الذين يمنعون الماعون، فهم يُمْنَعُون الزَّكَاةِ فالزَّكَاةُ قَرينة الصَّلَاةِ،
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:( وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا
الزَّكَاةَ)، و
قَالَ تَعَالَى:(
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)، فالله أجعلنا
من المحافظين عَلَى الصَّلَاةِ الْأَمْليْنِ فِي الثَّوَابِ الخائفين مِنْ
الْعَقَاب. هذا
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَم وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى
سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجمعين.
تعليقات