لِمَاذَا أَمَرَنَا الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ وَلَيْسَ الرُّكُوع وَلِمَاذَا جَعَلَ اللَّهُ السُجُود مَرَّتَيْن وَالرُّكُوع مَرَّةً وَاحِدَةً ؟
لِمَاذَا أَمَرَنَا الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ وَلَيْسَ الرُّكُوع وَلِمَاذَا جَعَلَ اللَّهُ السُجُود مَرَّتَيْن وَالرُّكُوع مَرَّةً وَاحِدَةً ؟ |
إن الله سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى فرض الصَّلَاةَ عَلَى عِبَادِهِ، فعلمها
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وعلمها النبي لأمته، فهو الْقَائِلُ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي،
فالْحِكْمَةَ مَنْ السُّجُودِ مَرَّتَيْن وَالرُّكوعُ مَرَّةً وَاحِدَةً هو إرغام للشيطان وإظهارا له أن بن آدم الذي هو
أبو البشر أمره الله فِي الصَّلَاةِ إنْ يَسْجُدَ فَسجِد تَأْكِيدًا عَلَى طَاعَته
للَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَعَدَمُ إستَّكَبَارِه عَلَيْهِ كما إستكبر إبليس
ورفض السجود لآم عليه السلام، فليس هناك أثقل من السجود عليه لِمَا لحقه منْ سخَط
وغضبِ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لإمتناعه عن السجود لأدم، فالشيطان لبس عَلَيْهِ صَلَاته وَ تَعَرَّضَ لَإفسادهَا
وَنَقْصَهَا فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُصَلِّي طَرِيقٌ إلَى جَبَر صَلَاته
وتدارك ما لبسه عَلَيْهِ وإرغام الشَّيْطَانُ ورده خاسئا مبعدا عن مراده وَكملت
صلاة بن آدم، كملت بسجدتين فأضل الله سعي الشيطان بذلك وجعل وسوسته لابن آدم
سَبَبا للتقَرُبَ منه جل وعلا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ:( إذَا
قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السجدة فسجد إعتزل الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ يَا وَيْلِي
أمر ابن آدم بالسجود فسجد فَلَهُ الْجَنَّةُ، وأمرت بالسجود فَأَبَيْت فَلي
النَّارِ)، وقد
روي أن رجلا سأل سَيِّدِنَا عَلِيٍّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لماذا نسجُدُ مَرَّتَيْن ونركع مَرَّةً وَاحِدَةً؟ فَقَالَ: رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ إنْ السجودفيه خضوع وخشوع أكثر من الرُّكُوعِ، ففي السجود يضع الْإِنْسَان
أعز أَعْضَائِه وأكرمها وهي رأسه عَلَى أَقَلِّ شَيْءٍ وهو التراب كرمز للعبودية
لله وتواضعا وخضوعا له تَعَالَي، فسأل الرجل
سَيِّدِنَا عَلِي مَرَّةً أُخْرَى لِمَاذَا نَسْجُدُ مَرَّتَيْنِ مَعَ
كُلِّ رَكْعَةٍ وماهي الصِّفَةِ الَّتِي في التراب؟ فقرأ أمير المؤمنين رضي
اللَّهُ عَنْهُ:(
مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً
أُخْرَى)، فأول
ما تسجد وَتُرْفَع رأسك يعني مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ، وجسدنا كله أصله مِنْ التراب
وكل وجودنا من التراب، وعندما تسجد ثانية تتذَكْرِ أنك ستموت وَتَعُود إلى التراب
وترفع رأسك فتَتذَكَّر إِنَّك سْتَبْعَث مِنْ التُّرَابِ مَرَّةً أُخْرَى، وهذا
الْحَدِيثَ لَمْ يقِفْ عَلَى أَصْلِهِ أَهْلٌ الْعِلْمِ وَقَالَ الْبهوتي فِي "كَشَّافِ الْقِنَاعِ " وإنما
شرع تكرار السجود في كل ركعة دون غيرها لأن السجود أبلغ ما يكون في التواضع لأن
المصلي لِمَا تَرَقي فِي الْخِدْمَةِ بأن قام ثم ركع ثم سجد فقد آتى بغايَة
الْخِدْمَةَ، ثم أذن له بالجلوس فِي خِدْمَةِ الْمَعْبود فسجد ثَانِيًا شُكْرًا
عَلَى اخْتِصَاصِهِ إيَاه بالْخِدْمَة وَعَلَى إستخلاصه من غواية الشيطان إلى
عِبَادَةِ الرَّحْمَنِ، لأن السجود غاية
التَّوَاضُع والعبودية للَّهُ تَعَالَى وفيه تمكين أعز أعضاء الإنسان
وأعلاها وَهِو وجهه من التراب الذي يداس ويمتهن، فالسجدة الأولى هي إمثال لأَمْرٍ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَذَلِكَ كَمَا يَقُولُ الْإِنْسَانُ فِي التَّلْبِيَةِ
لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ أي إجَابَة بعد إجابَة، أما السجدة الثَّانِيَة
فهي شُكْر لِلَّهِ تَعَالَى فالسجود هو خَلَاصة العِبَادَةٍ وَهُوَ الخضوع لله عز
وجل، ومن أجل ظهور الخضوع له بقوة في السجود بكونه مرتين كان فضل الله عظيما
للساجدين، فعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( أقرب ما يكون
الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُعَاءٌ فكلمَا سجِدُ
الْإِنْسَانِ زاد قَرِبًا مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى)، قَالَ ثوبان مولى
رَسُولٍ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَت رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أعمله يُدْخِلُنِي اللَّه
بِه الجنة؟ أو قال: قلت: بأحب الأعمال إلى اللَّهِ فسكت، ثم سَأَلْتُهُ فسكت،
ثم سَأَلْتُه الثالِثة، فَقَالَ: عَلَيْك بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ فَإِنَّكَ لَا
تسجد للَّه سَجْدَتَا إلا رفعك اللَّهُ بها دَرَجَةً وحط عنْك بهَا خَطِيئَةٌ، قال
ابن القيم رَحِمَهُ اللَّهُ: ولما كانت العبودية لله غاية كمال الإنسان وقربه من
الله عز وجل وكانت الصلاة جامعة لمتفرق العبودية، كانت أفضل أعمال العبد منزلتها
في الْإِسْلَام هي السجود، فاللهم إجعلنا مِنْ عِبَادِكَ الساجدين الشاكرين
الْحَامِدِين لنعمك، هذا والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك عَلَى سيدنا
مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
تعليقات