كَيْفَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ فِي قَلْبِهِ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ ؟
(قَالَ
اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهم جَنَّاتٍ تَجْرِي
مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم
وَرَضُوا عَنْه ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، وقد وعد
اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى التَّائبِين بالْجَنَّة وَهَذَا مِنْ الْكَرْم
الإلٰهي فهي لمن أراد العودة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى والْعَبْدَ
التَّائِب يَغْفِرُ اللَّهُ ذنبه كرما مِنْ البَارِي، قَالَ تَعَالَى:( إلَّا مِنْ تَابَ
وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ)، وأعد اللَّهِ
سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى لِعِبَادِهِ الصَّالِحِين الْجَنَّةُ خَالِدِينَ فِيهَا
وَ مَوْضُوعٌنا الْيَوْمَ سيكون عن كَيْفَ
يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ ذَرَّة إيمَانٌ؟ مَعَ الْعِلْمِ أَنْ
دُخُولَ الْجَنَّة له شُرُوط عدة .
كَيْفَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ فِي قَلْبِهِ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ ؟ |
الذي دلت عليه نُصُوصُ الْكِتَابِ
وَالسُّنَّةِ وَأَجْمَعِ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ أنه لَا يَخْلُدُ فِي
النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمان، فالمسلم العاصي
إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتُبْ مَعْصِيَتِه فَأَمَرَهُمْ إلى اللَّهَ إن شَاء عفى عنه
وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ لَكِنَّهُ لَا يَخْلُدُ فِي النَّارِ بِحَال، روى البخاري
وَمُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( يَخْرُجُ مِنْ
النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وفي قلبه وزن شعيرة من خَيْرِ، و
يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وزن
بُرَّةِ مِنْ خَيْرٍ، ويخرج من النار مِنْ
قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وزن ذَرَّةِ من خَيْر) وَ هَذا المعنى
جاء مكررا فِي أَحَادِيث أخر وبألفاظ متقَارِبِهِ، لا يدخل النار من كان فِي
قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَهَذَا ثابت أَيْضًا لكنه محمول عند
أهل العلم عَلَى أَنَّهُ لا يدخلها دُخُولِ الْكُفَّار أي لا يخلد فيها مع أنه قد
يدخلها جمعا بين هذا وبين النصوص الكثيرة التي تدل على أن من عصاة المؤمنين من
يدخل النار مع وجود الإيمان في قلوبهم ثم يخرجون منها بشفاعة وبغيرها، روى الترمذي
وأبو داود وابن ماجه عن عبد الله بن مسعود عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قال لا يدخل الجنة من كان فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كبر، ولا
يدل النار يعني من كان في قلبه مثقال ذرة من إِيمَانٍ قَالَ: فقال لَهُ رجل: إنه يعجبني إِنْ
يَكُونَ ثَوْبي حَسَنًا وَنَعْلي حَسَنَةً، قال إن اللَّهِ يحب الجمال وَلكن
الْكِبْرِ من بَطَرَ الْحَقِّ وَغَمْص النَّاسَ) وَالْحَدِيث
صَحَّحَه الْأَلْبَانِيّ فِي صَحِيحِ التِّرْمِذِيّ، وهذا يعبر به عَلَى أَقل ما يُمْكِنُ أَنْ يَتَطَوَّر
وَذَلِكَ عَلَى أَنَّ عَادَةِ الْعَرَبِ وَطَرِيقَتِهِم فِي الْخِطَابِ، حَيْثُ
إِنَّهُمْ يعبرون عن الشيء اليَسِّيرَ جدا بالذرة، والذرة معروفه وهي صغار
النَّمْل، الْعُلَمَاءُ رَحْمَهم اللَّهُ بَعْضَهُمْ يَقُولُ: هَذَا جَزَاءُه
إنْ جزاه، ولكن اللَّهِ قَالَ:( إنْ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ
وَيَغْفِرُ ما دون ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)، وبعضهم من يقول
إن كان تكبره عَلَى قَبُولِ الْحَقِّ وَالْإِيمَان بِمَعْنَى أَنَّهُ رَد دَعْوَة
الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو ذلك، فإنه لَا يَدْخُلُ
الْجَنَّةَ و لَيْسَ هُنَاكَ حَاجة لمِثْلِ هَذِه المَحامَل والتأويلات وَإِنَّمَا
يُقَالُ: لا يدخل
الجنة من كان فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ بمعنى أَنَّه يُمَحص فِي
النَّارِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ حينمَا يَطهَر وَيُنَزه يدخل الجنة فيكون مصيره
ومآله إلى الجنة، وَهَذَا مَعْرُوفٌ هَذَا
هو الذي يكون به الجمع بين الأدلة التي تدل على مغفرة الله عز وجل لما دون الشرك،
وأن من لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا فَإِنَّهُ لَا يَخْلُدُ فِي النَّارِ بحَالِ
مِنْ الْأَحْوَالِ قَال التَرمَذي رحمه اللّهِ عقب إراد الحديث وقال بعض أَهْلِ
الْعِلْمِ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ لَا يَدْخُلُ النار مِنْ كَانَ فِي
قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمان، إنما معناه لا يُخَلَّد فِي النَّارِ،
وَهَكذَا روي عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( يخرج من النار من كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ
ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ) وَقَدْ فَسَّرَ خَيْر وَاحِدٍ مِنْ التَّابِعِينَ
هَذِهِ الْآيَةِ "رَبَّنَا إِنَّكَ مِنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ
أَخْزَيْتَهُ"
فَقَالَ: من تخلد
في النار فقَدْ أَخَذَيته، وَ هَذا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ
وَسَلَّمَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
تعليقات