الرَّجُلِ الَّذِي كَذَّبَهُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّهُ كَانَ صَادِقًا فَصَدَّقَه اللَّهُ تَعَالَى
يعد القرآن الكريم الكتاب الخالد للأمة الإسلامية، وهو كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ الْمُنَزَّلُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ خلال مُدَّةِ ثَلَاثَةِ وَعِشْرُونَ عَامًّا الْمَنْقُول بِالتَّوَاتُر
محفوظ فِي الصدور والسطور ومن كل تحريف أو مس، كما يعد الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ آخَر
الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ بَعْد صحف إِبْرَاهِيمُ وَالزَّبُور وَالتَّوْرَاةُ
وَالْإِنْجِيلُ، وفيه العديد من العبر والقصص كَما سنتَعْرِفُ عليها من خلال مقالة
اليوم، بَحْيثٌ سنتحدث عَنْ قِصّةِ رَجُلٌ كذبه رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكنه كان صادقا، وهذه القصة هي السبب في نُزُولِ سُورَةِ
الْمُنَافِقُونَ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الرَّجُلِ الَّذِي كَذَّبَهُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّهُ كَانَ صَادِقًا فَصَدَّقَه اللَّهُ تَعَالَى |
اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تحديد وَقْت نُزُول سُورَةِ الْمُنَافِقُونَ،
فقِيلٌ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ لَكِنْ الأرْجِح والأشهر أَنَّهُ كَانَ فِي غَزْوَةِ
الْمُرَيْسِيعِ أو غَزْوة بني المصطلق فِي
أَثْنَاءِ ذَلِكَ إخْتَلِفُ رَجُلان حُول الْمَاء أَحَدُهُم جهجاه بْنُ سَعِيدٍ
وَالْآخِرَةِ سنان الجهني حليف بنو عوف مِنْ قَبِيلَةٍ الخزرج، فضرب كل منهما
الآخر، ثم صاح جهجاه يال الْمُهَاجِرِين
وصاح سنان يال الْأَنْصَارِ، فاجتمع إليهم الناس ووصل الخبر إلى عبد الله بن سلول
رأس النفاق في المدينة، فقال: أقد تداعوا عَلَيْنَا لِأَنّ رَجَعْنَا إلَى
الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ونهى عن الإنفاق حَتَّى
يَتْرُكَ النَّاسَ الإلتفاف حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ، فجعَل عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أبي ابن سَلُولٍ يُؤَنب أَصْحَابِه أَي يُّوبخَهم و يَقُولُ لَا تُنْفِقُوا عَلَى
مَنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ حتى ينفضوا عنه أي لو تركتم الإنفاق عَلَى مَنْ
عِنْدِهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لأنفضوا عَنْهُ وَتَرْكوه وحيدا مُحْتَاج
إلَيْكُمْ، ولكن والله لو رجعتنا إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ
مِنْهَا الْأَذَلَّ، إما تركوها لنا وَإِمَا تَرَكْنَاهَا لَهُمْ، هذا كلام زيد
ابن أرقم رَضِيَ اللَّهُ يخبر النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا
سَمِعَ وتَصديق الوحي له، كان زيد ابن أرقم رضَى اللَّهُ عَنْهُ خَاضرا عِنْده
فشقق عَلَيْهِ ذَلِكَ فَحمَل كَلَامِهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فشكاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى قَوْمِهِ فعَاتبوه
عَلَى ذَلِكَ فأنكره وكَذَبَ زَيْدٌ بْنِ أَرْقَمَ، وَجاء إلى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحلف بالله أنه ما قال شيء من ذلك، وَأنه يشْهَدْ
أَنَّك لَرَسُولُ اللَّهِ حَقًّا فقْبَلُ مِنْهُ عَلَى نِيَّتِهِ ووَكَّلَ سريرته
إِلَيَّ اللَّهُ تَعَالَي، فحزن لذلك زيد ابن أرقم حزنا شدِيدًا، وَقالَ له قَومَه ما أردت إلَّا أَنْ كذَبكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكذبك الناس، فلما إرتحل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنْ ذَلِكَ الْمَنْزِلِ إرْدَف زَيْد بْنُ خَلَفٍه وكَانَ يَوْمُ أَذنْ فَتَى صَّغِيرِا فنَزَلَ
جِبْرِيلُ الْأَمِينُ "بِسُورَة الْمُنَافِقُون"، فقال
النبي صُلِّي الله عليه وَسَلَّمَ لزيد بن أرقم أَبْشِرْ فَقَدْ تصَدَّقْك اللَّه،
وَتَلَاهَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ:
( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إذَا جَاءَكَ
الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّك لَرَسُولُ اللَّهِ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ
أَنَّك لَرَسُولُهُ وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ صدق
الله الْعَظِيم)
وكان عبد الله بن أبي ابن سلول يَقُومُ في كل جمعة إذَا قَامَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ وَيَقُولُ: يا معشر
الْمُسْلِمِين هذا رَسُولُ اللَّهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ فنْصُرُهُ، فلما إنصرف يوم
أحد بثلث الناس وخذل المؤمنين قتل منهم من قتل فأراد أن يقوم مقامه ذلك فأقعده
النَّاسُ وقالُوا: أسكت يا عدو الله، فانصرف مِنْ المسجد فِي حَالِ الْخطبَة
مغاضبا، فقيل لَهُ ارْجِعْ يستغفر لك رسول
الله ، فلوى رأسه وقال: لا حاجة بي إلى إستغفاره، ونزل قَوْله تَعَالَى:( بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إذا قيل لهم
تعالوا يستغفر لكم رسول اللّه لوّوا رءوسهم ورأيتهم يصدّون وهم مستكبرون هُمُ
الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّىٰ
يَنْفَضُّوا ۗ وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنَّ
الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ، صدق الله العظيم)، وهذا والله
تعالى أَعْلَى و أَعْلَم وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا و نَبِيِّنَا
مُحَمَّدٍ وَ عَلَى آلِهِ وصحبه وَسلم.
تعليقات