لِمَاذَا ذَبَح النَّبِيُّ سُلَيْمَانُ الأحصنة الْمُجَنَّحَة الصافنات الْجِيَاد ؟
قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ حَدَّثَنَا
عَنْهَا الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَالْقِصة الْأَغْرب الّتِي ذَكَرَهَا لَنَا
الْقُرْآن، هي لسيدنا سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فهو النبي الوحيد الَّذِي
يكلم الطير وَسَخَّرَ لَهُ الجان لهُ مِلكُ عَظِيمٌ، وَلَكِنْ فِي مقالنا اليوم
سنتعرف عَلَى حُبِّهِ الكبير للخيل كَيْف أنشْغَل إلَى حَدِّ كَبِيرٌ حَتَّى نسي
عِبَادَةٍ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟
لِمَاذَا ذَبَح النَّبِيُّ سُلَيْمَانُ الأحصنة الْمُجَنَّحَة الصافنات الْجِيَاد ؟ |
فِي الْبِدَايَةِ مَنْ هُوَ سُلَيْمَانُ؟
إنه النبي سُلَيْمَانَ ابْنِ دَاوُد
بن إيشا بن عويد بن عابر وينْتَهِي نِسْبَةً إلَى يَهُوذَا بْنِ يَعْقُوبَ بْنُ
إِسْحَاقَ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَهُوَ أَحَدُ أَنْبِيَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ قد
فضله اللَّهُ عَلَى الْكَثِيرِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَأَعْطاء الْمَلِك وَالْحِكْمَة
وسُلْطَانا عَظِيمِا، كِمَّا أعطاه
اَللَّه الْقُدْرَة لِمَعْرِفَة لغة الْحَيَوَانَات جَمِيعِهَا، وقد سخر اللَّهُ
لَهُ الْجنَّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا
شَهْرٌ ۖ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ ۖ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ
بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا
نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ
صدق اللَّهِ
الْعَظِيمِ)
وقد تم ذكر النَّبِيُّ سُلَيْمَانُ
فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَلُقِّد ورث سَيِّدُنَا
سُلَيْمَانُ الْملك وهو في عمر اثنى عشر عاما، وكان ذكيا وفطنا وَعَلَى الرَّغْمِ
مِنْ صِغَرٍ سِنِّهِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ حَسَنَ التَّدْبِير وَحَكِيم، وَلَقَدْ
كَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَامُ يستعين به ويأخذ رأيه في أمور الحكم، وقد قَام
سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ببِنَاءً الْبَيْتِ الْمُقَدَّس وَذَلِك بِنَاءً
عَلَى وَصِيَّةٍ وَالِدَهَ، فِي خِلَالِ فَتْرَةٍ قَصِيرَة مَنْ تَوَلَّيه الحكم
فلقد كان عَلَيْهِ السَّلَامُ يهتم بالإصلاح الْمعِمَارِيَّ وَالتوسع فِي
الْبِلَادِ، كَمَا كَانَ يَهتَم بالجِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لحِبُّه الشَّدِيد للخيول العربية، كان سيدنا سليمان عليه
السَّلَامُ مِنْ مُحِبٍّ الْخَيْل حيث كان يُحِبّ اسْتِخْدَامَهَا فِي الْجِهَادِ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كان دَائِم
الِاهْتِمَامَ بِهَا وعَلَى عَكْسِ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ فإن محبي الخيول لَا يَسْتَطِيعُونَ التَّخَلُّصِ مِنْ ذَلِكَ
الْحُبِّ أَبَدًا، حَيْثُ قَالَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ:(
أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرَسٍ عَرَبِيٍّ أَلَّا يُؤَذِّنَ لَهُ مَعَ كُل فجر
يدعو بدعوتين ويقول: اللَّهُمَّ إِنَّكَ خْولتَنِي مِن خَوَّلْتَنِي مِنْ بَنِي
آدَمَ فاجْعَلْنِي مِنْ أَحَبَّ أَهْلَه وَمَالَه إلَيْهَ أَوْ أَحَبَّ أَهْلَهُ
وَمَالَهُ إلَيه)
وعن عائشة اللَّهِ عَنْهَا قَالَتْ: (قَدم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَوْ خَيْبَرَ وَفِي سهوتها ستر فهبت
الريح فَكَشَفَت نَاحِيَة السِّتر، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا
عَائِشَةُ قَالَتْ: بناتي ورأى بَيْنَهُن فِرْس لَهُ جَنَاحَانِ مَنْ رقاع
فَقَالَ: مَا
هَذَا الَّذِي أَرَى وسطتهن، قَالَتْ: فرس، قَالَ: وما هذا الذي
عليه، قَالَتْ:
جناحان، قال: فرس له جناحان، قالت: أما سَمِعْت
أَنَّ لِسُلَيْمَان خَيْل لَهَا أَجْنِحَةٌ، قَالَت: فضحك حتى
رَأَيْتُ نواجذه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)،
كان سيدنا سليمان يمتلك خيولا قويتا وسريعتا وفاتنة تجيد إظهار جَمَالِهَا، كان يقوم بتنظيمها فأنشغل بها حتى
غابت الشمس وَفَاتَتْه صَلَاةِ الْعَصْرِ، مما جعله يشعر بالغضب لأنه إنشغل بالخيل
عن الصلاة والعبادة، فتمنى لَو تَرْجِع الشَّمْسِ
ويصلي الصلاة فِي وَقْتِها، ثم غَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى أَخَذَ فِي
ذبح جَمِيعِهَا بِالسَّيْفِ ثُمَّ تصدق بلحومها لِلْمَسَاكِين، وَقَالَ: وَاَللّهِ لا
تشغليني عن عبادة ربي أبدَا، وأبتعد سيدنا سليمان عن الخيل خوفا مِنْ عَذَابِ
اللَّهِ، فكافأه اللَّهِ تَعَالَى أَنْ سخرَ لَهُ الرِّيح تَجْرِي بِأَمْرِهِ و
تُذْهِبْ به حَيْثُ يُرِيدُ، قَالَ تَعَالَى:
( بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ
نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ* إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ
الْجِيَادُ* فَقَالَ
إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ
بِالْحِجَابِ*
رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ)، وقبل موت سيدنا
سليمان بعَامَيْن تَقْرِيبًا ظل فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ و ظل يتعَبْدُ ويُصَلِّي
وَ يَقُومُ اللَّيْلَ بَيْنَمَا تَدُور الْمَمْلَكَة تبعا لأوامره، وكان يصلي
عِنْدَمَا تُوُفِّي لَكِنَّه ظِلّ وَاقِفًا مُتَّكِئًا عَلَى عَصَاهُ وَاسْتَمَرَّ
الجن فِي الْعَمَلِ بما أمرهم به سَيِّدُنَا سُلَيْمَانُ وَاَللَّهُ تَعَالَى
أَعْلَى و أَعْلَم.
تعليقات