هَل يَتَذَكَّر أَهْلِ الْجَنَّةِ حَيَاتِهِم السَّابِقَةِ عَلَى الْأَرْضِ؟ وَمَاذَا يَتَمَنَّوْن مِنْ اللَّه؟
هل يَتَذَكَّر أَهْلِ الْجَنَّةِ مَاضِيَهُم عَلَى الْأَرْضِ؟ لَن تُتَخَيَّل
الإِجابة، يسعى الْمُسْلِمِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا إلى أن يرضي اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ ويفعل الخيرات ويتجنب فعل المنكرات مِنْ أَجْلِ الْوُصُولِ إلَى رضا الله
وجائزته الكبرى وهي الجنة، فالجنة هي مأوى الْمُتَّقِين وهدف القانتين وَهَي
عَزَاء أَهْلِ الْبَلَاءِ صَابِرِين، وهَي مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى لعباده الْمُؤْمِنِين جزاءً لهم عَلَى مَا قَدَّمَوهُ فِي حَيَاتِهم
الدُّنْيَا مِنْ صَّبْرِ وثَّبَات وَأَيْمَان وَعَمِل صَالِح، وكما وَصْفِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْجَنَّةِ بِأَنَّهَا لَبنة
مِنْ ذَهَبٍ ولبنة من فضة، بلاطها المسك،
وحصبائها اللؤلؤ والياقوت، وَتُرَابُهَا الزَعْفَرَان و إنَ فِي الْجَنَّةِ
أَنَّهَار مِنْ لَّبَنِ وخمر وَعَسَل أعِدت لِلْمُتَّقِين، ومن خلال مقالنا اليوم
سنتعرف على الْأَسْرَار أهل الجنة، وهل يتذكرون ما حدث لهم في حياتهم السابقة؟
هَل يَتَذَكَّر أَهْلِ الْجَنَّةِ حَيَاتِهِم السَّابِقَةِ عَلَى الْأَرْضِ؟ وَمَاذَا يَتَمَنَّوْن مِنْ اللَّه؟ |
كَيْف يَعِيشُ الْإِنْسَانُ فِي الْجَنَّةِ وَما اخْتِلَافِ عَن الدُّنْيَا؟
حياة الْإِنْسَانِ فِي الْجَنَّةِ
تختلف بلا شك عن حَيَاته فِي الدُّنْيَا،
فالإنْسَان فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا تَكُون مُؤَقَّتَة تنتهي بقَضَاءِ
حَاجَةٍ، أما في الجنة فلذة الإنسان دَائِمة لَا تَنْتَهِي و لَا تَنْقَطِعُ إنما
تتجدد فِي كُلُّ مَرَّةٍ بأقَوى وألذ مما سبق، كَمَا جَاءَ فِي تَفْسِيرِ قَوْله
تَعَالَى: (إِنَّ
أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ)، وأن شغل أَهْلِ
الْجَنَّةِ التلذذ بِالنِّعَم مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ مَع الْحُورِ الْعِين، بخلاف
شغل أهل الدُّنْيَا حيث يكون فِيهَا النصَب والتَّعَب الْهَمّ و الْغَمّ وَكَذَلِك
الْحَزنِ، كَمَا أَنَّ مَنْ جَوَانِبِ حَيَاة الْإِنْسَانِ فِي الْجَنَّةِ أنه لا
يخرج ما يخرجه أهل الدنيا مِنْ فَضَلَاتِ وأوساخ كالبول والغائط وَالْعَرَق
وأَهْلِ الْجَنَّةِ لا يبولون وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْهُمْ
عَلَى هَيْئَتِهِ ريحَ مِسْك طَيِّبَة، كَمَا أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا
يَنَامُونَ كَم نَامُوا أَهْلِ الدُّنْيَا، ذَلِكَ لِأَنَّ النَّوْمَ مَا هُوَ
الْمَوْتَة الصُّغْرَى و أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ الموت، وقد
أكرمهم الله تعالى بأن منحهم الْخُلُود
الْأَبَدِيَّ بعيدا عن التفكير فِي هَوَاجِس الْأَجَل الْمُؤَقَّت وَالْمَوْت
الْمُترِبص، وإن صورة أهل الْجَنَّةِ هي صُورَةٌ فِي غَايَةِ الْجَمَالِ وَالْبَهَاءُ
والتألق وَالنَّضرَة، فأَهْلِ الْجَنَّةِ مُجَرَّدَيْن مِنْ الشَّعر عَلَى
وُجُوهِهِمْ وأجسامهم كما أَن الكحل يزين عُيُونُهُم وَيَمُدُّها بِقُوَّةِ
الإبصَارِ وهم بالْعُمْر وَالسِّنِّ فِي ذُرْوَة الفتوة وَالْقُوَّة، حَيْثُ
يَكُونُ فِي عُمْرِي 33 وَهو عُمَر سَيِّدِنَا الْمَسِيحَ عَلَيْهِ السَّلَام
حِينَمَا رَفَعَهُ اللَّهُ إلَيْهَ، كَمَا أن من جوانب حَيَاةِ الْإِنْسَانِ فِي
الْجَنَّةِ إنَّهُ لَا يسأم ولا يمل فهو
بَعِيدٌ عَنْ آفَاتِ النَّفْسِ الَّتِي يعانيها لِلْإِنْسَانِ فِي الدُّنْيَا،
حَيْثَ يضجر أَحْيَانًا ويقلق أَحْيَانًا الْأُخْرَى فَهُوَ فِي صِّحَّةِ
نَّفْسِيَّة كَامِلَة.
هل أهل الجنة سيتذكرون ما كانوا عليه في الدنيا؟
أَهْلُ الْجَنَّةِ يَتَذَكَّرُون مَا
كَانُوا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، نَعَمْ قَدْ وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ
تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْهَا مَا جَاءَ فِي سُورَةِ الطُّورِ:(وَأَقْبَلَ
بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ
قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ
السَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ)، وكذلك تذكرهم
لأَهْلِ الشَّرِّ الَّذِينَ كَانُوا يَشكِكُونَ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَيَدْعُونَهم
إلى الْكُفْرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ:( فَأَقْبَلَ
بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي
قَرِينٌ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا
تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ) ويتذكرون أيام
الدُّنْيَا وَمَا لقوا فِيهَا مِنْ ابتلاءات وَمِحَن فِي أَنْفُسِهِمْ
أَبْنَائِهِم وأهاليهم وأموالهم
فيَقُولُونَ مَسْرُورِين:(وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا
الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ)، ثم تثور
ذِكْرَيَاتُ الْمَاضِي فِي الدُّنْيَا عِنْدَمَا يرون فَاكِهَةٌ تُشْابِه
الفَاكِهَةٌ الَّتِي كَانُوا يَأْكُلُونَهَا فِي الدُّنْيَا لَكِنَّهَا تَخْتَلِفُ
عَنْهَا فِي الْحَجِّم والطعم يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:(كُلَّمَا
رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ
قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا) كما يتذكر أَهْلَ الْجَنَّةِ دُعَائِهِم فِي أَوْقَاتِ
الضَّيِّقَ وَأَكْفت الدراعة الْمَرْفُوعَة إلَى السَّمَاءِ طالبة القَبُول
لْأَعْمَالهُم التَّوْفِيق لِلْعَمَل الصَّالِحَ مِنْ وَرَثَةِ جُنَّةٌ النَّعِيم
كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ:( وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ
قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فمن الله علينا ووقانا
عَذَابَ السَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ
الرَّحِيمُ)
هل يشتهي أهل الجنة لمثل نعيم الأرض؟
إِنَّهُم سَيشتهون فَوْقَ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ لِأَنَّ أَدْنَى
أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً له أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَمْثَالِ نَعِيمَ الدُّنْيَا،
كما جاء عن عبد الله ابن مسعود قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّم:( إِنِّي
لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا وآخَرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ
دُخُولاً لِلْجَنَّة رجلَا يَخْرُجُ من النار حِبُّوا يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى لَهُ: اذْهَبْ فادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ فِيهَا فَيُخَيَّلُ
إِلَيْهِ أَنَّهَا ملأي فيرجع ويقول: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مِلْأى فيقول
اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ: إذهب فأدَخَلَ الْجَنَّةَ قَالَ: فَيَأْتِيهَا
فَيُخَيَّلُ إلَيه أنها مِلأى فيرجع فيقول: يَا رَبِّ و
جدتها ملأي فقُولُ الله لَهُ: اذْهَبْ فأدَخَلَ الْجَنَّةَ فإِنَّ لَك مِثْلُ
الدُّنْيَا وعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا أَوْ أَنَّ لَك عَشَرَةَ أَمْثَالِ الدُّنْيَا،
قَالَ: فَيَقُولُ: أتَسْخَر بي أَو
تضحك بي وَأَنْتَ الْمَلِكُ؟ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ قَالَ فَكَانَ يقال: ذاك أدني
أهل الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً) متفق عليه وهذه
رواية مسلم، نِّعَمَ أَنَّ كُلَّ مَا يَشْتَهِيه أَهْلِ الْجَنَّةِ يَحْصُلُون
عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ
الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) وقد ورد أحاديث
فِي تَلْبِيَةٍ رَغَبَات بَعْضُ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الولد والزرع وأن ذلك لا
يحتاج لإنتظار، فعن أبي هريرة:( أن النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْمُ
يحدث وعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَنْ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ
الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ "وهذا إخْبَارُ عن
المستقبل بصِيغَةِ الْمَاضِي لبيان أن الوقوع متَحَقَّقْ" فقَالَ لَهُ: ألست فيما شئت؟
قَالَ: بلى لكني
أُحِبُّ أَنْ أَزرَعَ، قال: فبذر، فبادر الطرف
نَبَاتُه واستواؤه واستحصاده وكذلك تكويره
أَمْثَالُ الْجِبَالِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: دونك يَا بَنَ
أَدمْ فإنه لَا يشبعك شَيْءَ فقال الْأَعْرَابِيّ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ لَا تَجِدُ هَذَا إلَّا قُرَشِيًّا أو أنصاريا، فَإِنْهُمْ أَصْحَابُ
زرْعً فأما نَحْنُ فلسنا بأصحاب زرع فِضحك النبي اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) رواه
الْبُخَارِيُّ، وكما قال بْنِ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ
الْفَوَائِدِ إنْ كُلِّ مِا أشتهي فى
الْجَنَّةِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا مُمْكِنٍ فِيهَا وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ وسَلْمَ:( الْمُؤْمِنَ إذَا
اشْتَهَى الْوَلَدَ فِي الْجَنَّةِ كَانَ حَمْلُهُ ووضعه وسُنَّةٌ فِي سَاعَةٍ
كَمَا يَشْتَهِي) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ
حَسَنٌ صَحِيحٌ الْجَامِع، نسأل اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ
مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ بكَرْمِهِ وَرَحْمَتِه هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى
اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ
وَسَلَّمَ
تعليقات