مَعْلُومَاتٌ لَمْ تَكُنْ تَعَرُّفُها عَنْ الْحَسَدِ وَطُرُق عِلَاجُه وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحِقْد وَالْغِبْطَة
كَم مِنَّا مَنْ يَسْمَعُ عَنْ الْحَسَدِ وَلَا يُصَدِّقْه وَيَقُولُ لَا
وُجُودَ لِلْحَسَد كُلُّهَا تفاهات ، وَالْبَعْضُ الْآخَرُ يَرَى أَنَّ الْحَسَدَ
شَيْءٌ حَقِيقِيٌّ وَيَقُولُ إنَّهُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
وَهَذَا صَحِيحٌ ، وَلَكِنْ أَنْتَ عَزِيزٌ الْقَارِئِ أَيْ مِنْ هَؤُلَاءِ
تُؤَيِّد ، هَلْ تَعْرِفُ مَعْنَى الْحَسَدِ ؟ وَهَل تُعْرَف الْفَرْقُ بَيْنَ
الْحَسَدِ وَالْحِقْد وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْغِبْطَة ؟ كُلُّ هَذَا
وَأَكْثَرُ سنتناوله فِي هَذَا الْمَقَال فَهَيَّأ بِنَا .

معلومات لم تكن تعرفها عن الحسد وطرق علاجه والفرق بينه وبين الحقد والغِبطة
مَعْنَى الْحَسَدِ :
أَنَّ الْحَسَدَ ظَاهِرُه مَوْجُودَةٌ مُنْذ قَدِيمِ الزَّمَانِ فَهِيَ
لَيْسَتْ مِنْ كَوَارِث 2020 بَلْ هِيَ كَإِرْثِه مِنْ زَمَنِ بَعِيدٍ ، فَمَعْنَاه
فِي المعاجم الْعَرَبِيَّة حَسَد الشَّخْصِ إنْ يَتَمَنَّى أَنْ تَتَحَوَّلَ
إِلَيْهِ نِعْمَةً وَفَضِيلَتُه أَو يَسْلُبُهُمَا وَحَسَدُه الشَّيْء وَعَلَيْه ،
وَأَمَّا مَعْنَاهُ فِي الِاصْطِلَاحِ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ الْحَسَد تَمَنِّي
زَوَالِ نِعْمَةِ الْمَحْسُودِ إلَى الْحَاسِد ، وَقَال الْقفَوِيّ الْحَسَد
اخْتِلَاف الْقَلْبِ عَلَى النَّاسِ لِكَثْرَة الْأَمْوَال وَالْأَمْلَاك
وَنَهَانَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحَسَدِ فَعَنْ
أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا
وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ اخوانا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا .
مَا الَّذِي يُجْعَلُ الْحَاسِد يَحْسُدُنَا ؟
الْحَسَد مَثَلًا عِنْدَمَا تَكُون مَحْبُوبًا لَدَى النَّاس عِنْدَمَا
يُغْنِيك اللَّه بِالْمَال وَعِنْدَمَا يُغْنِيك اللَّه بالبنين وَالْبَنَات
وَغَيْرِ ذَلِكَ فَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
قَيْسِ قَالَ :
( سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : قَال : رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا حَسَدَ إلَّا فِي
اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي
الْحَقِّ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا ويعلمها) مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ .
كَيْف نَقِي أَنْفُسِنَا مِنْ الْحَسَدِ ؟
أَن نَسْتَعِين بِالصَّبِرِ وَالصَّلاةِ وَ نَذْكُرُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
كَثِيرًا ونتبع مَا أَمَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ "بسم
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا
خَلَقَ وَمَنْ شَرِّ غاسق إذَا وَقْب وَمِنْ شَرِّ النفاثات فِي الْعَقْدِ وَمَنْ
شَرِّ حَاسِدٍ إذَا حسد" ،
مَعْنَى الْحِقْد :
بَعْدَ أَنْ تُحَدِّثُنَا عَنْ الْحَسَدِ يَأْتِي دُورَ الْحِقْد حَتَّى
تُعْرَفَ الْفَرْق وَيَذْهَب خَطَأٌ الِاعْتِقَاد أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ
الْحَسَدِ وَالْحِقْد أَمَّا اللُّغَةُ فتخبرنا فِيهَا معاجمنا الْعَرَبِيَّةِ
إنَّ الْحِقْدَ أَي الضّغْن وَهُو إمْسَاك الْعَدَاوَةَ فِي الْقَلْبِ والتربص
لفرصتها وَالْجَمْع أَحْقَاد وحقود وحقائد ، إمَّا عَنْ الِاصْطِلَاحِ فَهُو
إضْمَار الشَّرّ لِلْجَانِي إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الِانْتِقَامِ مِنْهُ
فَأَخْفَى ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ إلَى وَقْتِ إمْكَانِ الْفُرْصَة ، وَقَالَ
الْجُرْجَانِيُّ أَنَّ الْحِقْدَ هُو سُوءُ الظَّنِّ فِي الْقَلْبِ عَلَى
الْخَلَائِقِ لِأَجْل الْعَدَاوَة .
عِلَاج الْحِقْد وَالْحَثِّ عَلَى تَصْفِيَةِ الْقُلُوبِ فِي الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ :
عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ( كُنَّا جُلُوسًا
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَطْلُعُ الْآنَ
عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ
تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ قَدْ عَلَّقَ نَعْلَيْهِ بِيَدِهِ الشِّمَالِ
، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِثْلَ ذَلِكَ فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْل الْمَرَّةِ الْأُولَى ، فَلَمَّا
كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ
الْأُولَى فَلِمَا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِعَهُ
عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ : إنِّي لَاحَيْتُ
أَبِي فَأَقْسَمْتُ أَنِّي لَا أَدْخُلُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ
تُئوينِي إلَيْك حَتَّى تَمْضِيَ فَعَلْتَ قَالَ : نَعَم ، قَال : أَنَسٌ فَكَانَ
عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ الثَّلَاثَ اللَّيَالِي
فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّهُ إذَا تعار تقلب
عَلَى فِرَاشِهِ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَكَبَّرَ حَتَّى يَقُومَ لِصَلَاةِ
الْفَجْرِ ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ أَلَا خَيْرًا
، فَلَمَّا مَضَتْ الثّلَاثُ اللَّيَالِي وَكِدْت أَن أَحْتَقِرُ عَمَلَهُ قُلْتُ : يَا عَبْدَ
اللَّهِ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي غَضَبٌ وَلَا هِجْرَةٌ وَلَكِنْ
سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَك ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَطَلَعْتَ
أَنْتَ فِي الْمَرَّاتِ الثَّلَاثِ فَأَرَدْتُ أَنْ آوَى إلَيْك فَأَنْظُرَ مَا
عَمَلُك ؟ فاقتضي بِك فَلَمْ أَرَاك عَمِلْتَ كَبِيرَ عَمَلٍ ، فَمَا الَّذِي
بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال ما هو
إلَّا مَا رَأَيْت فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي فَقَالَ مَا هُوَ إلَّا مَا
رَأَيْت غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
غِشًّا وَلَا أَحْسُدُ أَحَدٌ عَلَى خَيْرِ أَعْطَاهُ اللَّهُ إيَّاهُ ، فَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ : هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِك ، وَفِي رِوَايَةٍ الْبَزَّارِ
سُمًّا الرَّجُلَ الْمُبْهَمَ سَعْدًا وَقَالَ فِي آخِرِهِ فَقَالَ سَعْدٌ : مَا هُوَ إلَّا
مَا رَأَيْت يَا ابْنَ أَخِي إلَّا أَنِّي لَمْ أَبِتْ ضَاغِنًا عَلَى مُسْلِمٍ
أَوْ كَلِمَةً نحوها) رَوَاهُ أَحْمَدُ والنسائي وَقَال الْهَيْثَمِيّ رِجَالُهُ
رِجَالُ الصَّحِيحِ ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ : (قيل يَا
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ ؟
قَالَ كُلُّ مَخْمُومُ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ ، قِيل صَدُوقَ اللِّسَانِ
نَعْرِفُهُ ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ ؟ قَالَ هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيِّ لَا
إثْمَ فِيهِ وَلَا بَغْيَ وَلَا غِلَّ وَلَا حسد) صَحَّحَه
الْأَلْبَانِيّ .
مَعْنَى الْغِبْطَة :
أَوْضَحْت لَنَا دَار الْإِفْتَاء هَذَا الْمَفْهُومِ حَتَّى يَذْهَبَ
اللُّبْس بَعِيدًا فأوضحت دَار الْإِفْتَاء أَن الْغِبْطَة مَعْنَاهَا هِيَ أَنْ
يَتَمَنَّى الْمَرْءِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِثْلُ غَيْرِهِ مِنْ نِعَمِ لَكِنْ
مِنْ دُونِ أَنْ تَزُولَ تِلْكَ النِّعَمِ عَنْ الْغَيْرِ ، مُشِيرًا إلَى أَنْ
حُكْمَ الْغِبْطَة يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا وَاخْتِلَاف الْوَضْع
الَّذِي عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ ، إمَّا عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْغِبْطَة
وَالْحَسَد هُوَ زَوَالُ النِّعَم فَالْحَسَد تَمَنِّي الزَّوَال أَمَّا
الْغِبْطَة دُون تَمَنِّي الزَّوَالِ وَفِي النِّهَايَةِ نَتَمَنَّى الصَّلَاةِ
عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْآتِي بِالْهِدَايَة .
تعليقات