مَاذَا يَفْعَلُ اللَّهُ بالصائمين يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ وَلِمَاذَا يَخْتَلِف حِسَابُهُم عَنْ سَائِرِ الْبَشَر ؟
يَا نَفْسُ فَاز الصَّالِحُون بِالتُّقَى
وأبصروا الْحَقِّ وَ قَلْبِي قَدْ عَمِيَ
يَا حَسَنهُم
وَاللَّيْل قَد أَجَنّهُم
ونورهم يفوق نور الأنجم
قَدْ حَفِظوا صِيَامَهَم من لغْوِهم
وخشعوا فِي
اللَّيْلِ فِي ذِكْرِهِمْ
وَيْحَك يَا نَفْسُ
آلَا تيقظي
للنفع قِبَلِ أَنْ تَزِلَّ قَدِمي
مضي الزَّمَانِ فِي
تَوانِي وَهوَى
فأستدرك مَا قَدْ بقي واغتنمي
![]() |
مَاذَا يَفْعَلُ اللَّهُ بالصائمين يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ وَلِمَاذَا يَخْتَلِف حِسَابُهُم عَنْ سَائِرِ الْبَشَر ؟ |
ففِي الصَّوم تسْتَقِرّ أَعْيُن
الْمُصَلِّين مَوْضِعِ سُجُودِهِ وتسرح قُلُوبهمْ فِي تسبيحات رب الْمَلَكُوت
وَتَزرف الدُمُوع رَغْبَتِا فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَ خَشِيتا لَهُ
فَإِنْ صُمْت فَلْيَصُمْ سَمْعُك وَبَصَرُك وَلِسَانُك، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(كل عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ
الْحَسَنَةُ عَشْرِ أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ: إِلا
الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، فَإِنَّهُ تَرْكٌ شَهْوَتَهُ
وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي فوَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ "صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" لَخُلْفَةُ فَمَ الصائم أَطْيَبُ عِنْدَ
اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ)، و شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ الصَّبْرِ وَالصَّوْم
نصْف الصَّبر، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:( إنَّمَا يُوَفَّى
الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)، فللصائم
فَرْحَتَان فَرَحُه عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَة عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ، فمِنْ
صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا بَاعَدَ اللَّهُ
وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا، قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ كل أجر يُوزَن
وَزْنا وَيُكال كِيلًا إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ يحفى حفيا، ويغرف غرفا، فهو
الصبر على فجائع الدُّنْيَا وَأحزانِهَا فَلَا مِقْدَار لأَجْرَه وَلَا تُرَدُّ
لَهُ دَعْوَتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( أَنْ فِي
الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يقَالَ: أَيْنَ
الصَّائِمُون؟ فَيَدْخُلُون مِنْه، فَإِذَا دَخَلَ آخِرِهِم، أُغْلِقَ فَلَمْ
يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدُ)، فإنْ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا تَرَى ظُهُورُهَا مِنْ
بُطُونِهَا وبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا فَقام أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ "صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"؟ فَقَالَ: لِمَنْ أَطَابَ
الْكَلَامَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَدَام الصِّيَام وَصَلَّى بِاللَّيْلِ
وَالنَّاسُ نِيَامٌ، فصوموا يَوْمًا شديدا حرٌه لحرٌ يَوْمَ النُّشُورِ، وأقيموا
رَكْعَتًا فِي ظُلْمَةٍ اللَّيْلِ لظُلْمَة الْقُبُور، فعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قال :(خَرَجْنَا غازين فِي الْبَحْرِ فبَيَّنَمَا نَحْنُ وَرِيح
لَنَا طَيِّبَة والشراع لَنَا مَرْفُوع فسَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي يَا أَهْلَ
السَّفِينَةِ قفوا أخبركم حَتَّى وَلَى بين سبعة أصوات، قَالَ أَبُو مُوسَى
فَقُمْتُ عَلَى صَدْرِ السَّفِينَة فَقَلت: مَنْ أَنْتَ؟
وَمَنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ وَمَا ترى اين نحن؟وَهَل أَسْتَطِيع وُقُوفًا ؟ قَال: فَأَجَابَنِي الصَّوْتِ إلَّا
أُخْبِرُكُمْ بقَضَاء قَضَاه اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ: قُلْتُ: بِلَا أخبرنا
فإنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَضَى عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ مِنْ عَطَشٍ نَفْسِهِ للهِ
عَزَّ وَجَلَّ فِي يَوْمِ حَارٍّ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُرْويه يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَكَانَ أَبُو مُوسَى يَتَوَخى ذَلِكَ الْيَوْمِ الْحَرِّ
الشَّدِيدِ الْحَرِّ الَّذِي يَكَادُ ينسلخ فيه الْإِنْسَانِ فَيصومه، فثلاثة
أَعْمَال لَا تَدْخُلُ الْمَوَازِين يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِعِظَمِهَا، الْعَفْوِ
عَنْ النَّاسِ إِذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:( فَمَنْ عَفَا
وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)، فلَمْ يُحَدَّد اللَّهُ تَعَالَى الأجر
لعَظَمَةِ هَذَا الْفِعْلُ، فأصفحوا وسامحوا طَمَعًا فِي أَجر لا حُدُودَ له،
وَالصَّبْرِ فِي الْبَأْسَاءِ و الضَّرَّاء، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:( إنَّمَا يُوَفَّى
الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)، و الصِيَامٍ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( قَالَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ كُلِّ عَمَلٍ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي
وَأَنَا أجزي به)، فينادي منادٍ يَوْمَ الْبَعْثِ، أَيْنَ الَّذِينَ
أَجْرَهُم عَلَى اللَّهِ؟ فَيُقْبِلُ الصَّابِرُون والصائمون و الْعَافُونَ عَنْ
النَّاسِ، فاللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ الصَّائِمِين الصَّابِرِين وَالْعَافِينَ
عَنْ النَّاسِ يَا رَبِّ الْعَالَمِينَ، هَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَم
وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ
وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
تعليقات