لِمَاذَا فَرَضَ اللَّهُ الصِّيَامُ فِي رَمَضَانَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؟ وَ مَتَى يتيح لَك الْإِفْطَار؟
يأتي إلينا رَمَضَانَ سنويا لِكَي نَصومه وَنتَقْرَبَ به إلَى اللَّهِ
وَلِفَضْلُ هَذَا الشَّهْرِ وَجَلَالِهِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُبَشّر أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِقُدُوم رَمَضَانَ
ويذَكَرَهم ببَرَكَاتُ هَذَا الْمَوْسِمِ الْعَظِيمِ ليعدوا له عددته مِنْ
الْعِبَادَةِ وَالطَّاعَةَ وَالِاسْتِقَامَةُ عَلَى أَمْرِ الله تعالى، وَلَكِن هل
فكرنا لِمَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْنَا الصَّوْمَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ؟ فَهَيّا
بِنَا نَتَعَرّف عَلَى هَذَا الْأَمْرِ.
![]() |
لِمَاذَا فَرَضَ اللَّهُ الصِّيَامُ فِي رَمَضَانَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؟ وَ مَتَى يتيح لَك الْإِفْطَار؟ |
شَرَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الصِّيَامُ فِي رَمَضَانَ لِحِكَمٍ مِنْهَا،
تَحْقِيق تَقْوَى اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي
الْآيَةِ الثَّالِثَةُ وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ:( يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، ومن الحكم التَّحَلِّي بِالْإخْلَاص
فالصائم لا يطلع عَلَى صَوْمِهِ أَلَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَيُسَاعِد
الصَّائِمَ كَذَلِكَ عَلَى التَّخَلُّق بِالصَّبْر وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ
ويحَقِقَ لِلْجَسَد بوجهٍ عَام و للجهاز الهَضْمِيّ بِوَجْهٍ خَاصٍّ الصِّحَّة
وَالْعَافِيَة، فالصِّيَام مَدْرَسَة رُوحِيَّة وَتَرْبَوية وصحية وَخُلقية وإنها
وسيلة لشُكْرٍ اللَّهُ عَلَى النِّعَمِ،
فالصِّيَام يَكُون بالابْتِعَاد عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَهى
مَنْ الْأَفْضَلِ نَعَم، فَامْتَنَاعَ الْمُسْلَمُ فَتْرَة زمنية تشعره بقدر
هَذِهِ النِّعْمَ، وَأَنَّهُ وسيلة للإبتعاد وَتَرَكَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ وَهُوَ السَّبَبُ لإتقَاء مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَإِنْ فِيهِ إضعافا
للشَّيْطَانُ وَقَهْرًا لَهُ وَتقل أَثْنَاء الصِّيَام وسوسة الشَّيْطَان فتقل
بذَلِكَ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ، وأنَّهُ يَعُودُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْقِيَامِ
بِالطَّاعَات وَالِإكثار مِنْهَا وَيُعَلِمَه الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَالترغيب
بمَا هُوَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ فِي الصِّيَامِ تَدْرِيب لِنَفْس
الْمُسْلِمِ عَلَى مُرَاقَبَةِ اللَّهِ تَعَالَى فيبتعد بِذَلِكَ عَنْ كُلِّ مَا
تَهْوَاهُ نَفْسُهُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى فِعْلِه لِعِلْمِهِ بِأَنَّ اللَّهَ مُطَّلِعٌ عَلَى
جَمِيعِ أُمُورِهِ وَأَنَّهُ سَبَبًا للعطف عَلَى الْمَسَاكِينِ وَالرَّحْمَة
بحَالِهِم والرأفة بِهِم وإِنَّهُ وَسِيلَةٌ لِلتَّغَلُّبِ عَلَى الشَّهْوَةِ
لِأَنّ النفس بطَبْعِهَا إلَى شَبعت أَصْبَحْت تتمنى الشهوات، و إذَا أَصَابَها
الْجُوع امْتَنَعَت عَمّا تِهوى.
مَا هُوَ دَلِيلٌ مَشْرُوعِيَّة الصِّيَام:
●
فدَلِيلٌ فَرْضٌ
الصِّيَامَ مِنْ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي قول اللَّهِ تَعَالَى:( فَمَنْ شَهِدَ
مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) سُورَةِ الْبَقَرَةِ الْآيَةُ الْخَامِسَةُ
وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ،
●
وَالدَّلِيلُ
مِنْ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ الْمَطْهَرَة قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( بَنِي الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ
إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدَ رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةَ،
وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ) فصِيَامِ
رَمَضَانَ وَاجِبٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وأحد أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ.
أَرْكَانِ الصَّوم:
لِلصَّوم ركنان،
●
الركن الْأَوَّلِ
النية: وَيُشْتَرَط
إيقَاعُهَا ليلا قَبْلَ الْفَجْرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، لَكِنَّهَا تصح عِنْدَ
الْحَنَفِيَّةِ في الصوم الْمُعَيَّن قبل الزَّوَال وَمُجَرَّدُ التَسحُرِ مِنْ
أَجْلِ الصَّوْمِ فيعد نِيَّة مُجْزِئَةٌ بِأَن السُّحُورِ فِي نَفْسِهِ إنَّمَا
جُعِلَ لِلصُّوَم بِشَرْطِ عَدَمِ رَفَض نية الصيام بَعْدَ التسحر، ويكون لكُلَّ
يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ نية مستقلة تسبقه وأجاز الْإِمَامِ مَالِكٍ صوم الشَّهْرَ
كُلَّهُ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي أَوَّلِه، مَا إذَا كَانَ الصَّوْمُ مِنْ غَيْرِ
وَاجِبٍ فيَجُوزُ تَأْخِيرُ النيَّة لِمَا بَعْدَ الْفَجْرِ لِمَنْ لَمْ يَأْتِي
بِمفطر وَأَرَادَ أَنْ يُكْمِلَ الْيَوْمَ صَائِمًا تَطَوُّعًا فَلَهُ ذلك.
●
الركن ثَانِي الْإِمْسَاكُ عَنْ شَهْوَتي
الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ.
هَلْ الصِّيَام كَانَ مَفْرُوضًا عَلَى الْأُمَمِ السَّابِقَةِ قَبْل الْمُسْلِمِين؟
نَعَمْ إنْ الصِّيَامَ كَانَ
مَعْرُوفًا لَدَى الْأُمَمِ السَّابِقَةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ
الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فرض صيام رمضان عَلَى قَوْمٍ مُوسَى وَعِيسَى
عَلَيْهِما السَّلامُ فغَيَّروا وَذَادوا، وقال بن كَثِيرٍ رَحْمَةِ اللَّهُ أَنْ
الصِّيَامَ كَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثم نسخ برَمَضَانَ، ويرى
ابن الجوزي إنْ الصِّيَامَ كَانَ يُشْبِهُ صِيَامِنَا فِي الْحُكْمِ أَيْ فِي
فَرْضِيَّةِ والصفة أَيْ الإمتناع عَنْ
الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَلَيْسَ فِي الْعَدَدِ أَي ثلاثين يَوْمًا، وَالْحَاصِل
أن الصيام كَان مَوْجُودٌ لَدَى الْأُمَمِ السَّابِقَةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ
وَإِنْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ وَصِفَتُهُ فالشاهد أَنْ كُلَّ
الدِّيَانَات صَامَت وَجَمِيعِ الْأمم السَّابِقَةِ أَمْسَكَتْ عَنْ الطَّعَامِ
وَالشَّرَابِ مُدَّةً مِنْ الزَّمَنِ قَلْت هَذِهِ الْمُدَّةِ أم كثرت، هَذَا
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَم وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى
سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .
تعليقات