هَلْ تَعْلَمُ ماهي حَقِيقَة انْشِقَاقِ الْقَمَرِ و لِمَاذَا ادَّعَى الْكُفَّارِ إنْ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاحِرٌ ؟
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ مُحَمَّدُ
وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ
مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ
وبَعَثَ اللَّهُ الأَنْبِيَاءَ بِمُعْجِزَات مُخْتَلِفَةٌ تَوضِيحًا لِلنَّاسِ
عَلَى قَدْرِةِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَدَلَالَةٌ عَلَى صِدْقِ هَذَا النَّبِيِّ
الْكَرِيمُ، فمثلا بَعَثَ اللَّهُ مُوسَى لِفِرْعَوْنَ بتسع آيات مِنْهَا الْعَصَى كَيْف تَتَحَوَّلُ
إلَى حَيَة و كَيْفَ تَخْرُجُ يده بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ مِنْ جَيبِهِ،
وكذَلِكَ حَدَثَ مَعَ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ فكل نبِي أَعْطَاهُ اللَّهُ مُعْجِزَة
تُنَاسِب قومه وبالطبع سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو
خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ بَعَثَهُ اللَّهُ بمُعْجِزَات شتى
لِقَوْمِه و أَعْظَم مُعْجِزَة جَاءَ بِهَا سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ هي مُعْجِزَة
الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَكَذَلِك مُعْجِزَة انْشِقَاقِ الْقَمَرِ وهذا هو موضوع
مقالة اليوم فهيا بنا لنتعرف على معجزة إنشقاق القمر.
هَلْ تَعْلَمُ ماهي حَقِيقَة انْشِقَاقِ الْقَمَرِ و لِمَاذَا ادَّعَى الْكُفَّارِ إنْ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاحِرٌ ؟ |
بالرغم من عظم هذه الْمُعْجِزَة إلَى أَنْ الْكُفَّارَ مِنْ قَوْمٍ قُرَيْشٍ
كَانُوا دَائِمًا يَطْلُبُونَه مُعْجِزَات أَكْثَرَ، فذات مرة اجْتَمَع الْكُفَّار
وَذَهَبُوا لِلنَّبِيّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَلَبُوا
مِنْهُ أَنَّ يَشُقُ الْقَمَرِ إلَى نِصْفَيْن فَاسْأَلْهمِ الرَسُولِ إنْ فَعَلت
تُؤْمِنُون قَالُوا: بِلَا، فطَلَب مُحَمَّدٍ مِنْ رَبِّهِ إِنْ يَقْسِمَ أَو
يَشُقَ الْقَمَرِ إلَى نِصْفَيْن وسُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ اسْتَجَابَ
اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ الْكَرِيم وَأعَطاهُ ما سْأَلُ، وكان اللَّهَ جَل
وَعَلِا سَرِيع الِاسْتِجَابَة لِنَبِيِّه الْكَرِيم وَشَقَّ له القمر نصفين،
وَكَان قد ظَهَر كُلُّ نِصْفٍ عَلِيّ حِده وَاجْعَل جَبَلِ حِرَاءَ بَيْنَهُم
وَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى فِي بِدَايَةِ سُورَة الْقَمَر حَيْثُ قَالَ تَعَالَى:( بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيم اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ صَدَقَ
اللَّهُ الْعَظِيمِ) مُصَدِّقَةٌ لِهَذِه الْحَادِثَة الْعَظِيمَة، وَقَدْ قَالَ
بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ هَذِهِ الْآيَةِ نَزَلَتْ قَبْلَ وُقُوعِ الْحَادِث
الِانْشِقَاق، وبالرغم مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْمُعْجِزَةِ هِيَ مِنْ طَلَبِهِمُ
وأَشْهَد بَعْضُهُم الْبَعْضِ عَلَى حُدُوثِهَا إلا أَنَّهُم كَذَبُوا وقَالُوا
سحرنا مُحَمَّدٌ وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْآيَاتِ الْكَرِيمَةُ الثَّانِيَةِ مِنْ
نَفْسِ السورَةِ حَيْثُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( وَكَذَّبُوا
وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ)، فسُبْحَانَ
اللَّهِ جَاءَهُم الرَّسُول الْعَظِيم بِمُعْجِزَة مِنْ طلبِهِمْ وَلَمْ يَصْدْقوا
وَذَلِكَ لأن الكفر متمكن مِنْ قُلُوبِهِمْ وَمَهْمَا جَاءَتْهم مِنْ
الْمُعْجِزَاتِ فَلَن يُؤْمِنُوا أَبَدًا، حَادِثَة انْشِقَاقِ الْقَمَرِ مِنْ
الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي أَيَّدَ اللَّهُ بِهَا نَبِيَّهُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي حادثة انْشِقَ الْقَمَرِ فِيهَا إلَى شِقَّيْن حَتَّى إنَّ
بَعْضَ أَصْحَابِهِ رَأْي جَبَلِ حِرَاءَ بَيْنَ هَذَيْنِ الشَّقيْنِ وَكَان
وُقُوع هَذِهِ الْمُعْجِزَةِ قبل هجرة النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ، وَذَلِكَ عِنْدَمَا طلب كفر مَكَّةَ
مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ
دَعْوَتِه وَنُبُوَّته، وكما جاء فِي الْحَدِيثِ النَّبَوِيَّ الَّذي يَرْوِيهَا
الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ "أن أَهْلِ مَكّةَ
سَأَلوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُمُ آيَة
فأراهُم الْقَمَر شقين حَتَّى رأوا حراء بَيْنَهُمَا"، وَتُعْتَبَر
هَذِهِ الْمُعْجِزَةِ إحدى عَلَامَات السَّاعَةِ الَّتِي أَخْبَرَ النَّبِيُّ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوُقُوعِهَا فَقَالَ:( خَمْسٌ قد مضين
الدُّخَان وَالْقَمَر وَالرُّوم والبطشة واللزام فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا) وَرَدَ ذِكْرُ
هَذه الْحَادِثة أَيْضًا فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ مَقْرُونًا بإقتراب السَّاعَة
فقال الله سبحانه وتعالى: ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اقْتَرَبَتْ
السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمِ)، مُنْذ مَتَى
بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُشْرِكُون يَسْعَوْن
لِلْحَدِّ مِنِ وُصُولِ دَعْوَتَهُ إلَى النَّاسِ مستخدمين لِأَجل هَذِهِ
الْغَايَةَ شتى الْأَسَالِيب، فكَانَ مِنْ أساليبهم السُّخْرِيَة وَالتَّكْذيب
الِاسْتِهْزَاء بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبرِسَالَة ورميه
بشتى التهم وَتَحْذير النَّاسُ مِنْه وَمُطالبته بالإتيان بالْمُعْجِزَات الَّتِي
تَثْبُتُ صَدَق دَعْوَتِه وَنبوته مظهرين لَه اَستعْدَادَهُم
أنْ يتبعوه ويُؤْمِنُوا بِهِ إذَا جَاءَهُمْ بِمَا طَلَبُوا وَفِي الْحَقِيقَةِ
أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بطلبهم تُعْجِيزَه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَإقِاعَهُ فِي الْحَرَج، وقد فضحهم اللَّهَ تَعَالَى وَأَخْبَر بنواياهم فَقَالَ اللَّهُ
سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بَلْ قَالُوا
أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ
كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ
أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمِ)، ومَعَ كَثْرَةِ
سُؤَالِهِم أَنْ يُرِيَهُمُ آيةٍ اسْتَجَابَ اللَّهُ لطلبهم فَآرَاهُم الْقَمَر شِقَّيْن حَتَّى رَأَوا
جَبَلِ حِرَاءَ بَيْنَهُمَا وَبِالرَّغْم مِنْ عِظَمِ هَذِهِ الْمُعْجِزَةِ إلَى
أَنْ قُلُوبَ الْمُشْرِكِينَ جَعَلْتهم لَا يُؤْمِنُونَ، بل اتهموا النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسحر، (قَالَ ابْنُ
كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنْ فِي مَا أعْترَضَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا تعنتوا له فِي أَسْئِلَتِهِم
إيَّاه أَنْوَاعٌ مِنْ الْآيَاتِ وَخَرقٌ العادات عَلَى وَجْهِ الْعِنَاد وَلَا
عَلَى وَجْهِ طَلَب الْهُدَى وَالرَّشَاد)، كَمَا
أَظْهَرَت الدراسات الْعِلْمِيَّة الحَدِيثَة الَّتِي أُجْرِيَتْ عَلَى سَطْحٍ
الْقَمَر أنه يوجد عَلَى سَطْحٍ الْقَمَر شَبَكَة عنكبوتيه مِنْ الصدوع
وَالشُّقُوق والشروخ الْغَرِيبَة وَأَنَّهُ فِي فَتْرَةِ لَاحِقَةٌ مِنْ الزَّمَنِ
أغْرَقَت الحُمَم البركانية مَنَاطِق مُنْخَفِضَة فِي الْجُزْءِ الْخَارِجِيَّ
لِسطح الْقَمَر وقامت بِتَغْطِيَة الشُّقُوق أَيْ تَغْطِيَةُ الصدوع، كَمَا وَقَد
أَثْبَتَت الدراسات الَّتِي أَجْرَاهَا الْعُلَمَاءُ عَلَى تلك الصدوع
الْأَوْدِيَة الْمَوْجُودَةَ عَلَى سَطْحٍ الْقَمَر وَاَلَّتِي قَامَت بِهَا
وِكَالَةً نَاسًا أَنَّهَا تَكُوَنت نَتِيجَةَ حُدُوث كَسْرٍ وَشقٍ حَصَلَ فِي
الْقَمَرِ وَتَبَيَّن لَهُم وُجُود صُدُوع كَبِيرَةً عَلَى سَطْحه، وذلك يُؤَيِّدُ
حُصُول حَادِثَة انْشِقَاقِ الْقَمَرِ و يؤكدها عِلْمِيًّا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ
الْعَظِيمِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَاضِحَةٌ لِكُلِّ إنْسَانٍ عَاقِلِ وهي تحذر
وتوضح أَنْ الْآخِرَةَ قَرِيبَة جِدًّا
وَيجِبٌ وَالاسْتِعْدَادِ لَهَا قَبْلَ أَنْ تَأْتِينَا بأهوالها
الْعَظِيمَةِ الَّتِي تذهل كُلُّ إنْسَانٍ حَتَّى يَبْدُوَ النَّاسُ وَكَأنَهُم
سُكَّارى وماهم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدُ لِذَلِك يَجِبُ
عَلَيْنَا التَّفْكِير وَالتَّدَبُّرِ فِي مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ الْمُخْتَلِفَة،
فعِنْدَ النَظَرِ إِلَى السَّمَاءِ بنجومها وَشَمْسها وقمرها تسري بنا قشْعَرِيرة
نَابِعة مَنْ عَظْمِةِ مَا نَرَى، هَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَى و أَعْلَم
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ
وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ .
تعليقات