هَلْ تَعْلَمُ لِمَاذَا نَهَانَا الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ لَن تَصَدَّق السَّبَب ؟
أَنَّ مَنْ أَعْظَمِ أَبْوَاب الْوُلُوج إلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى
اتِّبَاعِ سُنَّةٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الّتِي
تُعَبِّر تَعْبِيرا صَادِقًا عن مَحَبَّة الْمَرْء لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا أَنْ
يَقُولَ لأولئك الَّذِينَ يَدْعُونَ مَحَبَّةِ اللَّهِ أَنْ يَلْتَزِموا بِطاعةٌ
وَاتباع رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَقْوَالِهِ
وَأَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِه، فَقَالَ تَعَالَى:( بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَلَّ أَنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي
يحببكم اللَّه وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ صَدَقَ
اللَّهُ الْعَظِيمِ)، و مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى يَتَبَيَّن لَنَا ضَرُورَة
اتِّبَاعَ السُّنَّةِ وَاتباع مَا أَمَرَنَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالابْتِعَادِ عَنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي نَهَانَا عَنْهَا،
وأَحَدٌ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَهُوَ عَدَمُ لُبْسِ الرِّجَالِ لِلْحَرِير، فقد
نهانا رَسُولُ اللَّهِ عن لبسه فهيا بنا نتعرف على السبب.
هَلْ تَعْلَمُ لِمَاذَا نَهَانَا الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ لَن تَصَدَّق السَّبَب ؟ |
لماذا نها الله الرجال عن لبس الحرير؟
قد نهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرّجَالَ عَلَى
لِبْسِ الْحَرِيرِ أَوْ الْجُلُوسِ عَلَيْهِ، وَرَدَ فِي السَّنَةِ النَّبَوِيَّةِ
وَالْآثَارِ العَدِيدِة مِنَ الْمَلَابِسِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلْبَسُوهَا حاصل مَا جَاءَ فِيهَا أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُ ما يتيسر مِنْ اللِّبَاسِ الَّذِي
كَانَ مَعْرُوفًا فِي قَوْمهِ فَلَا يَرِدُ مَوْجُودًا ولا يتكلف مِفقُودًا وَلَا
يَتَمَيَّزُ بلبسه دون النَّاسِ وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى لَبْسَة وَاحِدَه بِل
يلبِس مِنْ أَنْوَاعِ الْقُمَاش كُلِّهَا إلا الْحَرِير، وَمِنْ أَنْوَاعِ
الثِّيَابِ مَا كَانَ ساترا جميلا مِنْهَا وقد جَمِعَ الْعَلَامَةِ ابْنُ
الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى خلاصة مَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ مِنْ
وَصْفِ مُلَابِسٌ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّم و إذَا كَانَتْ
الشَّرِيعَةُ الْغَرَّاء قد إباحة لِكُلٍّ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ التزين
ولاسيما فِي اللباس فَإِنَّهَا قَدْ رَاعت فِي ذَلِكَ إلَّا تَكُونَ الْإِبَاحَةَ
عَلَى إطْلَاقِهَا، وَإِنَّمَا قيدتها بِقُيُود مِنْهَا تَحْرِيمَ بَعْضِ
أَنْوَاعِ اللِّبَاسِ عَلَى كُلِّ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ تعَبُدِ اللَّهِ
تَعَالَى، لذَا أوَجَدَ الْإِسْلَام فَرْقًا بَيْنَ لِبَاسٌ الرَّجُل ولباس
الْمَرْأَةِ سَوَاءٌ كَانَ فِيمَا يَتَّصِل بِالْمَادَّة الْمنسوجة الَّتِي
يَجُوزُ لَبِسَهَا أَوْ لَا يَجُوزُ أو كان الفرق مُتَّصِلًا بمواصفات الْمَلبوس
تبعا لجنس اللابس، وسيكون الْحَدِيثِ عَنْ الْمَادَّةِ الْمنسوِّجَة الَّتِي
يَصِحُّ لِبْسِهَا أَوْ لَا يَصِحُّ لِكِلَا الْجِنْسَيْن وأعني به لُبْسِ
الْحَرِيرِ وفِي مَا يَتَعَلَّقُ بالذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ، فالذهب والحرير حِرْمَان عَلَى ذكور الْأُمَّة وحِلٌ لإنَّاثهَا
وَلِهَذَا ذَكَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:( لَا تَلْبَسُوا
الْحَرِيرَ فَإِنَّهُ مِنْ يَلْبَسْه فِي الدُّنْيَا لم يلبسه في الآخرة) وفِي اللفظ
الْآخِرَةِ وَفِي الْآخِرَ:( إنَّمَا يلبسه من لا خلاق لَهُ فِي الْآخِرَةِ)، ويَعْنِي
بذَلِكَ من لَا حَظَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ فَهَذَا فِيهِ تَحْرِيمُ لُبْسِ
الْحَرِيرِ والجلوس عَلَيْه، كَمَا فِي حَدِيثِ حذيفة:( أن النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالْجُلُوسُ
عَلَيْه وَكَذَلِكَ عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَقَالَ: إنها لَهُم فِي
الدُّنْيَا "يَعْنِي
بِهِمْ الْكُفَّار" وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ) وَ قَالَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُحَلّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لإناث أُمَّتِي
وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهِم، وسئل عما يَجُوزُ مِنْ الْحَرِيرِ فَقَالَ: مَوْضعٌ إصبعين
أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَ كالذرار والرقعة الصَّغِيرَة وَنَحْوِ ذَلِكَ،
فَالْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا تَحْرِيمُ لُبْسِ الْحَرِيرِ وكَذَلِك الذَّهَبِ فِي
حَقِّ الرِّجَالِ، أَمَا النساء فلا بأس
لأَنَّهُن بِحَاجَةٍ إِلَى التزين بذلك إلى أَزْوَاجِهِنَّ و إذَا دَعَتْ
الْحَاجَةُ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْحَرِيرِ فَلَا بأس موضع أربعة أصابع أو اقل كمَا
يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ.
سبب تحريم لبس الحرير والذهب للرجال:
ويَرْجِعُ السَّبَبُ فِي تَحْرِيمِه عَلَى الرِّجَالِ كَمَا جَاءَ عَلَى
لِسَانِ أَحَدٍ الشُّيُوخِ وَهُوَ عَدَمُ لِبْسِهِ فِي الْجَنَّةِ، لعل السر فِي
ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أن لَبِسَ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ قد يكسب التخنث
والتساهل فِي الرُّجُولَة وَهِي أليق بالنِّسَاء، فحُرَّمٌ عَلَى الرِّجَالِ لِمَا
فِيهِ مِنْ مَفسدِة تُشَبُهَ الرِّجَالِ
بِالنِّسَاءِ، فإن لِبْسَه يكسب الْقَلْب صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْإِنَاثِ،
وَلِهَذَا لَا نَكَاد نَجد من يلْبَسَه
فِي الْأَكْثَرِ إلَّا وَعَلَى شَمَائِلِهِ مِن التَخَنَّث وَالتَّأْنِيث والرخاوة
مَا لَا يَخْفَى حَتَّى لَوْ كَانَ مِنْ أَشْهَم النَّاسِ وَأَكْثَرُهُم فحولِيَّة
وَرِجولِيْه، فَلَا بُدَّ أَنْ يُنْقِصه لُبْسِ الْحَرِيرِ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ
يَذْهبِهَا وَلِهَذَا كَانَ أصحُّ الْقَوْلِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى أَنَّ
يَلْبَسَهُ الصَّبَي لِمَا ينشأ عَلَيْهِ مِنْ صِفَاتِ أَهْلِ التَّأنيث، والرجل
مُطَالَبٌ بِزِينَة مُعْتَدِلَة لا مَبالَغة فِيهَا حَتَّى يَكُونَ أَهْلًا
لِتَحَمُّلِ الْمَشَاقّ إضَافَة أنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ فِيهِ تَشَبُّهٌ
بِالْكُفَّار فَهُوَ من لباسهم فِي الدُّنْيَا عِلَاوَةً عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ
الأحَادِيث صرحت بنهي الرجل عن لبسه، لذا ذهبت
الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ إلَى تَحْرِيمِ الْحَرِيرِ الْخَالِصِ عَلَى
الرَّجُلِ، بل حكى النووي وابْنِ قُدَامَة الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ
أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى تَحْرِيمِ لُبْسِ الْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ بَأدِلَة
كَثِيرَةٍ مِنْ السُّنَّةِ مَعَ مُلَاحَظَةِ أَنَّ الْحَرِيرَ الَّذِي وَرَدَ
النَّصُ الشَّرْعِيَّ بِتَحْرِيمَه عَلَى الرِّجَالِ هُو الْحَرِير الْأَصْلِيَّ
الطَّبِيعِيِّ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ نسيج دودة القز، أَمَّا إذَا كَانَ هَذَا
الْحَرِير صِناعِيّا فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ لُبْسُهُ عَلَى الرِّجَالِ وَذَلِكَ
لِأَنَّهُ لَيْسَ حَرِيرًا حَقِيقِيًّا، و هنَاك من يَسْأَلُ لِمَاذَا الرِّجَالِ
ممنونون من لِبْسُ الْحَرِيرِ مَعَ أنَهُم سيَلْبَسُونَهُ فِي الْجَنَّةِ؟
يَنْبَغِي أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَكِيم في أمره ونهيه جل
وعلى، فَلا يأمُّرُوا إلَا بِمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ وَلَا يَنْهَى إلا عما فِيهِ
مفسدة، وَ هَذِهِ الْحُكْمُ مَنْ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي قَدْ تُظْهِرُ
لِخِلْقَة وَقَدْ لا تَظْهَرُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ جل وَعَلِى حُكْمُةٌ فِي نَفْسِ
الْأَمْرِ فَإِذَا عُلِمَ هَذَا فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيق الْعَمَلُ عَلَى الْعِلْمِ
بالْحِكْمَةِ مَنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، بل ينبغي المُبَادَرَة إلى تنفيذ الْأَمْرِ الشَّرْعِيّ
سواء ظَهَرَتْ الْحِكْمَةُ أَمْ لَمْ تَظهر
فأَنْ ظَهَرَتْ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وإن لَمْ تَظْهَرْ أَنَّ الْمُسْلِمَ
لَا يَمْنَعُهُ جَهِلَه بِالْحِكْمَة مِنْ الْعَمَلِ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ
والْمُبَادَرَةُ إلَى تطبيقه وَهَذِه حَقِيقَة التَسْلِيمُ لأَمْرِ لِلَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ، أَنْ الْإِسْلَامَ هُوَ الاِسْتِسْلاَم لِلَّهِ تَعَالَى وَالِانْقِيَادَ
لَهُ بِالطَّاعَة والْإِنْسَانَ إذَا عَلَّقَ الْعَمَلُ عَلَى مَا يَظْهَرُ لَهُ
مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي قد تقنعه وبد لا تقنعه صَار مُتَّبِعًا فِي الْحَقِيقَةِ
لِعَقْلَة وَهَوَاهَا لا لِرَبِّه وَمَوْلاهَا، ويجب علينا كَمَا ذَكَرْنَا
سَابِقًا إتباع سُنَّةُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فوَهُوَ شَرْطٌ لِدَعْوَة مَحَبَّة
دِينِه و ملته، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( عَلَيْكُمْ
بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا
عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَكما أَخْبَرَ عَنْ عَظِيمٍ أَجْر الْمُتَمَسِّك
بِالسُّنَّةِ عِنْدَ فَسَادِ الْأُمَّةِ) وَ هَذا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَى و
أَعْلَم وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ
وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
تعليقات