آخَر رَجُلَيْنِ فِي الدُّنْيَا فَمَاذَا يُحْدِثُ لَهُمْ؟
إذا كان الظمَأ فِي الْمَاءِ يَدُلُّ
عَلَى وُجُودِ الْمَاءِ، فَكَذَلِكَ الظمأ إلى الْعَدْلِ لابد أَنه يدلُّ عَلَى
وُجُود الْعَدْل وَلأَنَّهُ لَا عَدْل في الدُّنْيَا فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُودِ
الْآخِرَة مُسْتَقِرّ الْعَدْل الْحَقِيقِيَّ، أَضْحَكني ثلاث، وَأبْكاني ثَلَاثٍ،
أَضْحَكني مُؤْمِل الدنيا والموت يطلبه، وغافل ليس بمغفول عنه، وضاحك ملئ فيه وليس
يدري هل أرضى ربه أم أسخطه، وأبكاني فِرَاق الْأَحِبَّة مُحَمَّد وَحِزبه وهو
المطلع عند غَمَرَات الْمَوْتِ، والوقوف
بين يدي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يوم تبدوا السرائر ثم لا أدري إلى جنة أم إلى نار،
فالدنيا دَار الْفِنَاء وَالْآخِرَة دَارِ الْخُلُودِ، فَيوم الْحِسَابِ والعقاب
آت لاريب فيه، ولكن قد يتبادر لذهن
الْإِنْسَانَ مِنْ آخَرِ الرجال في الدُّنْيَا هذا هو موضوع مقالنا اليوم،
فقد تتساءل عزيزي القارئ من هُم آخَرِ رجلين في الدُّنْيَا؟ وكيف سيكون مصيرهم؟
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُ قَالَ:( سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: يتركون المدينة عَلى خَيْرٌ مَا كَانَتْ لَا يَغْشَاهَا إلا
العْوَاف يريد عوافي السباع والطير وآخَرَ مِنْ يُحْشَر راعيان مِنْ مُزَيْنَةَ
يريدان المدينة ينعقان بغنمهما فيجدانها وحشا حَتَّى إذَا بَلَغَ أَرْبَعِينَ ثنية
الوداع خر عَلى وجوههما)صحيح البخاري، أما آخَر رجلين سيكونا في المدينة بحسب
إشارة النبي في حديث البخاري ومسلم، فقد فصل قصتهما عُمَرَ بْنِ شبه في أخْبَارٌ المدينة في رواية عن أبي هريرة موقوفة
قَالَ: آخَرُ
منَ يُحْشر رجلان، رجل من مزينة و الآخَر
من جهينة، فيقولان أين الناس؟ فِيأتيان الْمَدِينَةِ فلا يريان إلا الثعالب، فينزل
إليهما ملكان فيسحبنهما على وجوههما، يروي بن حبان في صحيحه أن أخر قرية في
الإسلام خراب المدينة أَي أَنَّ هَذِهِ الْأَحْدَاث ستكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ
قبيل قيام القيامة، وأورد الإمام مالك في الموطئ رواية تقول أن السباع والذئاب
ستدخل إلى الْمَسْجِدِ النبوي حتى الممبر، فعن أبي هريرة مرفوعا لتتركن المدينة
على أحسن ما كانت حتى يدخل الذئب فيعوي على بعض سواري المسجد أو على الممبر، قالوا: فلمن تكون
ثمارها؟ قال: للعوافي الطير والسباع، قوله تتركون المدينة كذا لأكثر
بتاء الخطاب وَالْمُرَادُ بذلك غير المخاطبين لكنهم مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ أو من
نسل الْمَخَاطِبين أو من نوعهم، وروى يتركون بتحتانية ورجحه القرطبي، وقوله عَلَى
خَيْرِ ما كانت عَلَى أَحْسَنِ حَالٍ كَانَتْ عَلَيْهِ من قَبْلَ قال القرطبي تبعا
لعياط وقد وجد ذلك حيث صارت مدينة الخلافة ومقصد الناس وملجأهم وحملت إليها خيرات
الْأَرْضِ وصارت مِنْ أَعْمَرَ البلاد فَلَما انْقَلَبَت الْخِلَافَة عَنْهَا إلَى
الشّامِ ثم إلَى الْعِرَاقِ وتغلبت عَلَيْهَا الْإِعْرَاب تعاورتها الْفتن، وخلت
من أهلها فقصدتها عوافي الطير والسِّبَاعِ
والعَوَافِي جمع عَافِية وهي التي تطلب
العوافي شيئان أَحَدُهُمَا أنها طَالَبَة لأقواتها من قولك عفوت فلانا إعفوه فأنا
عاف والجمع عفاة أي أتيت أطلب معروفه والثاني من العفاء وهو الموضع الخالي الذي لا
أنيث به، فإن الطير والوحش تقصده لأمنه على نفسه فيه، وروى الْإِمَامُ أَحْمَدُ
بْنُ حَنْبَلٍ وَالْحَاكِم النَّسَابوري وغيرهما عن محجن بن الأدرع الْأسْلَامِيَّ
قَالَ:( بَعَثَني
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحاجة ثُمَّ لَقيتني و أَنَا
خَارِجٌ مِنْ بَعْضِ طرُقِ المدينة فأخذ بيدي حَتَّى أتينا أحَدًّا ثُمَّ أَقْبَلَ
عَلَى المدينة فقَالَ: ويل إمهَا قَرَّية
يوَم يدعها أَهْلِهَا كأينع ما يكون، قلت: يا رَسُولَ
اللَّهِ مِنْ يَأْكُلُ ثمارِهَا؟ قال: عَافِيَة الطير والسِّبَاع)، كما يروي
البخاري ومسلم فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يتركون
الْمَدِينَةِ عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ لا يغشاها إلا العواف يريد عوافي السباع
والطير، وأخر من يحشر راعيان من مزينة يريدان المدينة ينعقان بغنمهما فيجدانها
وحشا حتي إذا بلغ ثنية الوداع خرا على وجوههما، وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ
أَجْمَعِينَ .
تعليقات