قَوْمٍ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ! كَيْفَ يَكُونُ مَصِيرَهُم يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟
إن الدِّينَ الإِسْلامِيَّ مَلِيء بِالْأَسْرَار الَّتِي يَجْهَلُهَا
الْكَثِيرين وَالْكَثِيرين، لكن وضحها لنا الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَالسُّنَّةُ
النَّبَوِيَّةِ، وفِي مقالة اليوم سنتعرف عَلَى قَوْمٍ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ
وَلَا النَّارُ وَهُم ذكِرُوا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَهِيَ مِنْ السُّورِ
الَّتِي يحويها كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَهِيا لَنتعَرِّف عَلَى
هَؤُلَاءِ القوم و الأَسْرَار المختبئة لَنَا.
قَوْمٍ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ! كَيْفَ يَكُونُ مَصِيرَهُم يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ |
هؤلاء القوم يسمون "بأَهْلِ الْأَعْرَافِ" وَالأَعْرِفُ
هوَ مَكَان بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ
يُسَمَّى الْأَعْرَاف وَهُو سور عَالَي يطَّلَعَ مِنْهُ أَصْحَابِهِ عَلَى أَهْلِ
الْجَنَّةِ و عَلَى أَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ يدخْلَهُمْ رَبُّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ
فِي آخِرِ الْمَطَافِ فِي جَنَّةِ، وَلَا يَدْخُلُونَ النَّارَ وَارْجِع
وَالْأَقْوَال فِيهِمْ أَنَّهُمْ أَقْوَامٌ
إسْتَوت حَسَنَاتِهِم وَسَيِّئَاتُهُم فلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا
يَدْخُلُونَ النَّارَ قَالَ تَعَالَى:( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَاف رِجَالٌ يَعْرِفُون كُلًّا بِسِيمَاهُم
وَنَادَوا أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامَ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُم
يَطْمَعُون وَإِذَا صُرِفَت أَبْصَارَهُم تِلْقَاء أَصْحَابُ النَّارِ قَالُوا
رَبَّنَا لَا تَجْعَلَنَّا مَعَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ وَنَادَى أَصْحَابُ
الأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُم قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ
جَمْعِكُم وَمَا كُنْتُمْ تستكبرون أَهَؤُلَاء الَّذِين اقسمتم لَا يَنَالُهُم
اللَّهُ بِرَحْمَةٍ اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خوف عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ
تَحْزَنُونَ صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمِ).
صِفَات أَصْحَابِ الأَعْرَافِ:
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ:(
ومن إستوت حَسَنَاتِه وَسَيِّئَاتُه كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الأَعْرَافِ
وَقَفُوا عَلَى الصِّرَاطِ ثُمَّ عرفوا أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ
فَإِذَا نَظَرُوا إلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ نَادوا سَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَإِذَا
صُرِفَت أَبْصَارَهُمْ إلَى أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا: رَبُّنَا لَا
تَجْعَلَنَّا مَعَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ)، عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَصْحَابَ الأَعْرَافِ هُمْ الَّذِينَ
ذَكَرَهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وهم أَصْحَابُ
الْذنوب الْعَظِيمة مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا ابْنُ
الْمُبَارَكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالًا كَانَتْ
لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ عِظَامِ وَكَان جسيم أَمَرَهُم لِلَّه، فَأُقِيموا ذَلِكَ
الْمَقَامِ، إذَا نَظَرُوا إلَى أَهْلِ النَّارِ وَعَرَفوهُمْ بسَوَادِهَا الوجوه
قَالُوا: رَبَّنَا
لَا تَجْعَلَنَّا مَعَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ و إذَا نَظَرَوا إلَى أَهْلِ
الْجَنَّةِ عَرفوهم بِبَيَاض وُجُوهِهِم ذَكَر بَنِي عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ
آمن أَصْحَاب الْأَعراف هم قوم كَانَتْ لَهُمْ صَغَائِر لَمْ تُكَفِّرْ عَنْهم
بالآلام وَالْمَصَائِبُ فِي الدُّنْيَا
فَوقفَوْا بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَلَيْسَتْ لَهُمْ كبائر فيحبسون عَن
الْجَنَّةِ، لِينالهم بِذَلِكَ غُمّ وَهُم فيقع وَذَلِكَ فِي مُقَابَلَةِ
صَغَائِرهُمْ حَتَّى يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وذهب بْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ
بْنُ الْيَمَانِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيَّ وَالضَّحَّاك وَسَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ وَيَرَى أَبُو نَصْرٍ الْقَشرِيّ فِي قَوْلِ الْآخَرِ والشوكاني
وَمُجَاهِدٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ أَنَّ أَصْحَابَ الأَعْرَافِ هُم ِفْضَلَاء
الْمُؤْمِنِينَ وَ الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ فَرَّغوا شُغِل أَنْفُسِهِم وَتَفْرُغوا
لمُطَالَعَة أَحْوَالِ النَّاسِ وَأَحْوَالَهُمْ، ويرى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ كَمَا نُقِلَ الْقُشَيْرِيَّ أَن أَصْحَابِ الأَعْرَافِ هُمْ
أَوْلَادُ الزِّنَا، ويرى مُجاهَدَ أنْ
أَصْحَابِ الأَعْرَافِ هم قَوْمٌ صَالِحٍوَن وَأَنَّهُم مِنْ الْفُقَهَاءِ
وَالْعُلَمَاءُ، وَذهَب المهداوي ومعه الشوكاني والقشري وَشُرَحْبِيلُ بْنُ
سَاعِدَ عَنْ أَصْحَابِ الأَعْرَافِ هُم الشُّهَدَاء مِنْ أُمِّهِ مُحَمَّدٍ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ:( يُحَاسَبُ
النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ كَانَت حسناته أَكْثَرَ مِنْ سَيِّئَاتِهِ
بِوَاحِدَة دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ كَانَتْ سَيِّئَاتِه أَكْثَرَ مِنْ
حَسَنَاتِهِ بِوَاحِدَة دَخَلَ النَّارَ، ثُمَّ قْرَأْ قَوْلِ اللَّهِ:( وَالْوَزْنُ
يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ۚ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا
أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ)، فمن إستوت
حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف، فوقفوا على الصراط، ثم عرِفَوا أَهْلِ
الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ فَإِذَا نَظَرُوا إلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ نَادِوا
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَإِذَا صُرِفَت أَبْصَارَهُمْ إلَى يَسَارٍهُمْ أَصْحَابُ
النَّارِ فَقَالُوا: رَبُّنَا لَا تَجْعَلَنَّا مَعَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ،
فيتعُوذُون بِاَللَّهِ مِنْ مَنَازِلِ أَهْلِ النَّارِ.
مَا هُوَ سَبَبُ تَسْمِيَةِ الْأَعْرَاف بِهَذَا الِاسْمِ؟
يَعُود سَبَبُ تَسْمِيَةِ أَصْحَابِ
الأَعْرَافِ بِهَذَا الِاسْمِ لِأَنّهُمَ يَعْرِفُونَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ
النَّارِ كُلًّا بِسِيمَاهُم أَوَّ لأَنَّهُم يَقِفُونَ عَلَى الْأَعْرَاف أَيْ
الْمَكَان الْمُرْتَفِعُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، لَكِنْ مَا هِيَ صِفَاتُ
أَهْلِ الْحَسَنَات فَأَمَّا أَصْحَابُ الْحَسَنَات فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ نُورًا
يَمْشِي بِهِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبأيمانهم وَيُعْطِي كُلَّ عبد يَوْمٍ إذَا نورا
فَإِذَا أَتَى عَلَى الصِّرَاطِ سلب اللَّهُ تَعَالَى نُور كُلُّ مُنَافِقٍ
ومنافقة فَلَمَّا رَأَى أَهْلَ الْجَنَّةِ مَا لقى الْمُنَافِقُونَ قَالُوا: رَبَّنَا
أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا.
مَصِير أَصْحَابِ الأَعْرَافِ:
وَأَمَّا أَصْحَابُ الأَعْرَافِ
فَإِنَّ النور لَمْ يَنْزِعْ مِنْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:( لَمْ
يَدْخُلُوهَا وَهُم يَطْمَعُون)، فَكَان الطَّمَع للنُّور الَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ،
ثُمَّ أدْخَلَوا الْجَنَّةَ و كَانُوا آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً، قَدْ
قِيلَ إنَّ أَصْحَابَ الأَعْرَافِ مَلَائِكَة يُحِبُّون أَهْلِ الْجَنَّةِ ويبكتون
أَهْلِ النَّارِ، وَهُوَ بَعِيدٌ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَعَلَى
الْأَعْرَاف رِجَالٌ يعرفون كلا بسيماهم) وَالرِجَالٌ أي الذُّكُور الْعُقَلَاء
وَالْمَلَائِكَة لَا يَنْقَسِمُونَ إلَى ذُكُورًا وَإِنَاثًا. وَالثَّانِي
إخْبَارِه سبحانه وتعالى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَطَّلِعُون أَنْ يَدْخُلُوا
الْجَنَّةَ وَالْمَلَائِكَة غَيْر مَحْجُوبَين عَنْهَا كَيْفَ وَالْحَيْلُولَة
بَيْن الطَّامَع وطمعه تَعْذيب لهِ وَلَا عَذَابٍ يَوْمَئِذٍ عَلَى مِلْكِ، وَ
هَذا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَصَلى اللَّهُ
وَسَلَّمَ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ
وَسَلَّمَ.
تعليقات