لِمَاذَا سُمِّيَت سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِهَذَا الِاسْمِ ؟
سورة الْبَقَرَةِ هي أَطْوَل سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، ولَهَا
فَضْلٌ عَظِيمٍ عَلَى كُلِّ مِنْ يَقْرَأُهَا أو يَحْفَظُهَا أو يستمع إلَيْهَا
باسْتِمْرَار، وَقَد تَحَدّثَت بَعْضَ آيَات هَذِهِ السورة عن قِصَّةُ الْبَقَرَةِ
الَّتِي جَاءَ بِهَا سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لبني إسْرَائِيل،
كَمَا رُكِزَت عَلَى تَقْوِيَةِ الْإِيمَان الْمُسْلِمِين بِاَللَّه وَبالْغَد
وَأَن الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ كَلَامُ اللَّهِ الْمُنْزَلِ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِضَافَةِ إلَى بَيانِ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُنَافِقِينَ وَالْكُفَّار، ثُمّ تَحَدّثَت عَنْ خُلُقٍ آدَمَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ وَسجود الْمَلَائِكَةِ لَه وَالْعَداوة مع إبليس، فصلت قَصَص بَنِي
إسْرَائِيلَ مِنْ بِدَايَةِ نجاتهم مِنْ فَرْعون وخروجهم مِنْ أَرْضِهِمْ،
وَكَذَلِك طَلَبِهِم للسقي والطعام مِنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وإنشقاق
الحجر لَه، وكيف عبدوا العجل واتخذوه اله مَنْ دُونِ اللَّهِ، وأَشارت إلَى
قِصَّةِ أَصْحَابِ السَّبْتِ، وقصة أكل أدم وحواء من الشَّجَرَةِ وهبوطهما
إلى الْأَرْضِ، كَمَا بَيَّنَّت قصة
بَقَرَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَوْنُهَا وَصِفَاتِهَا، ويسعدنا أن نقدم لكم من
خلال مقالنا اليوم هذه الْقِصَّة بِالتَّفصيل وسببها كَمَا وَرَدَتْ فِي
الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ.
![]() |
لِمَاذَا سُمِّيَت سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِهَذَا الِاسْمِ ؟ |
جاء فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي أَنَّهُ قَدْ وَقَعَتْ جَرِيمَة قَتْلٍ فِي
بَنِي إسْرَائِيلَ، وكان القاتل مجهولا فِي زَمَنِ سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ
السَّلَامُ، وصار كل شخص يتهم الآخَرَ فِي هَذِهِ الجَرِيمَة حَتَّى قَرَّرُوا
أَنَّ يَرْفَعُوا الْأَمْرَ إلَى نَبِيٍّ اللَّهِ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ، حَتَّى يُحْكَمَ بَيْنَهُمْ ويكتشفوا مَنْ الْقَاتلُ، أراد الله عز
وجل أن ينبه بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى
قُدْرَتِهِ عَلَى أَحْيَاءَ الْمَوْتَى حتى يتعظوا وَأَرَادَ أَنْ يَكْشِفَ لَهُمْ
الْقَاتِلَ مِنْ خِلَالِ مُعْجِزَة مَادِّيةٍ ملموسة، فسأل سَيِّدُنَا مُوسَى
عَلَيْهِ السَّلَامُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُلْهِمه الصواب فأوحى إليه
رَبُّهُ إِنْ يَأْمُرَهُم بِذَبْح أَيِّ بَقَرَةٍ ، فظنوا بَنِي إسْرَائِيلَ أَنْ
سَيِّدَنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ويسخر مِنْهُمْ، كَمَا
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ:( وَإِذْ قَالَ
مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا
أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ)، تعنت بنو
إِسْرَائِيلَ فِي الْأَمْرِ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ تشددهم، حيث
سألوا سيدنا موسى عليه السلام عَنْ عُمَرَ الْبَقَرَة، فَأَجَابَهُم أَنَّهَا
مُتَوَسِّطَةٌ الْعُمْرَ لَيْسَت بِصَّغِيرَة أو كَبِيرَة، فسألوه عن لونها،
فَقَالَ لَهُمْ:
أنها صفراء تصر الناظرين، فسألوه عَنْ عَمَلِهَا، فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهَا
بَقَرَةٌ فَريدَةً لَا تَعْمَلُ بِالسِقْيِّ والزراعة، وَبَيْنَ لهُم سَيِّدُنَا
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّهَا بَقَرَةٌ سَلِيمَة خَالِيَةً مِنْ أَيِّ عيْب
وَأَنَّهَا خالصة الصفرا لا عَلَامَةٌ أَوْ شَيْة فِيهَا، فَلَمْ يَفْعَلُوا
فَلَيْسَ هُنَاكَ عَيْبٌ فِيهَا وقِيلٌ لَيْسَ هُنَاكَ لَوْن يُداخلِ الصفَار
الَّذِي فِيهَا مسلمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا، (قَالُوا الآنَ
جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ)، إختلف
الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ) هل هي عائدة
عَلَى أَنَّهُمْ تعبوا ووجدوا مشقةً فِي الْحُصُولِ عَلَيْهَا أَمْ أَنَّهُم
كَأنَمَا أُكْرهوا عَلَى هَذَا الْأَمْرِ إكراها بدليل كَثْرَةِ سُؤَالِهِم
واعتراضهم عَلِيّ نبيهم وعادوا وَقَالُوا لَهُ أَنْ الْبَقِرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا
فادعوا لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا صِفَاتِهَا لنميزها عَن غَيْرِهَا، فَقَالَ
لَهُمْ: أَنْ
اللَّهَ يَقُولُ إنَّهَا بَقَرَةٌ لَا تُسْتَخدَمُ فِي حَرَث الْأَرْض ولافي
السقّاية، و لَوْنُهَا صافي لَا تَشُوبُه شَائِبَة، فَبحثوا كَثِيرًا فَلَمْ يَجِدُوا إلَّا
بَقَرَةٌ وَاحِدَةٌ تُوَافِق الْوَصْف، فطلبوا من صَاحِبَهَا أَنْ يَبِيعَهَم
إيَّاهَا فرفض أَنْ يَبِيعَهَا إلَّا بوزنها ذَهبا، فشتروها بَعْدَمَا أَجهدْهَم
الْبَحْثِ عَنْهَا واتعبهم ثَمَنِهَا، ذَبْحِ بني إسرائيل الْبَقَرَةِ
فِأَمْرِهِمْ سَيِّدُنَا مُوسَى أَنَّ يُتِمَّ ضَرْبِ الْقَتيل بجُزْءٍ مِنْ
الْبَقَرَةِ الْمَذْبُوحَة، فِيقوم ويخبرهم مِنْ الْقَاتِلِ، وَاعْتَقَدوا
بِأَنَّه يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ حَيْثُ قال بن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فلو إعترضوا بقرة
فذبَحُوهَا لا جزئت عَنْهُم وَلَكِن شَدّدوا وتعنتوا عَلَيَّ مُوسَى فشدد اللَّهُ
عَلَيْهِمْ، وضربوا المقتول مِنْ لَحْمِهَا كَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى،
وَقَام الْمَقْتُول بِأَمْرِ اللَّهِ وَأَشَارَ إلَى الْقَاتِل ثُمَّ مَاتَ
فَكَانَتْ تِلْكَ الْحَادِثَةِ مُعْجِزَةٌ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ الْكَثِيرَة التي
أنزلها اللَّهُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:( فَقُلْنَا
اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ
لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، رغم تلك الحادثة كلها بِهَا فبقيت قُلَوب بَنِي
إسْرَائِيلَ قَاسِيَة كَالْحِجَارَة، وَلَم تؤثر بهُمْ تلك الْمُعْجِزَة الْحادثة
العجيبة، لَكِنَّ هَذَا لَا يَقُلْ شَأْننا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، بِحَيْث
يبقى فضل قِرَاءَةُ سُورَةٍ الْبَقَرَةِ عَظِيما، فهي تأتي يوم الْقِيَامَة شافعة
لِقَارِئِهَا تظله مِنْ حَرَارَةِ ذَاكَ الْيَوْمَ وَتخصه بالحفظ والرِّعَايَة،
فَقَدْ رَوَى عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ رَحْمَه اللَّهُ أنْهُ قَالَ: (سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول يؤتى بِالْقُرْآن يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وأهله الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهَ تَقَدَّمَه سُورَةِ
الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وضرب لهم رَسُولُ اللَّهِ ثَلَاثَةَ أَمْثَالِ مَا
نسيتهن بَعدَ قَالَ كَأَنَّهُمَا غمامتان أَو ظَلّتان سَوْدَاوَان بَيْنَهُمَا
شَرْقٌ أو كَأَنَّهُمَا حُزْقان من طير صواف تحاجان عن صَاحِبِهمَا)، أي تطرد الشَّيَاطِين
وَالْوَسَاوِس من نفس وبيت قَارئهَا، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ:
(إنْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَجْعَلُوا
بُيُوتَكُمْ قُبُورًا فَإِن الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةٌ الْبَقَرَةِ
لَا يَدْخُلُهُ الشَّيْطَان) ختِمَّت سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِآيَتَيْن لهما فضل كبير
فِي حِفْظِ الْمَرءِ وَدَفَع الْكَرْب عَنْهُ، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ
قَرَأَ بِالْآيَتَيْن مِنْ آخَرَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ) وَرَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، واللَّهُ تَعَالَى أَعْلَى أَعْلَم وَصَلَّى اللَّهُ
وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَ عَلَى آلِهِ وَصَحْبِه
أَجْمَعِين.
تعليقات