أَوَّل فَاحِشَة زنا فعَلُهَا إبْلِيسُ اللَّعِينُ عَلَى الْأَرْضِ؟ فانْتَقِم اللَّهُ مِنْهُمْ أَشَدُّ انْتِقَامٌ
يَا رَبِّ إِنْ
عَظُمَت ذُنُوبِي كَثْرَة
فَلَقَد عَلِمْت بِأَن عَفْوِك أَعْظَم
إن كان لا يرجوك
إلا محسنَ
فَمِنْ الَّذِي يَدْعُو وَيرجو المجرم
أدعوك ربي كَمَا أَمَرْتَ تَضَرُّعًا
فَإِذَا رَدَدْت يَدَي فَمَنْ ذَا يَرْحَم
مَالِي إلَيْك وَسِيلَةٌ إلَّا الرَّجَا
وَجَمِيل عفوك ثم إني مسلم.
الْيَوْم نَعيش مَعَكُم قِصَّة
جَدِيدَةٍ مِنَ قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلامُ، فهي قِصَّة نَبِيَّ إنتشر
بَعْدَهُ الْفَسَاد وَأَغوَى الشيطان العباد وإزداد الفسق والفساد، فهي قِصَّة
النَّبِيّ شيث عَلَيْهِ السَّلَامُ .
أَوَّل فَاحِشَة زنا فعَلُهَا إبْلِيسُ اللَّعِينُ عَلَى الْأَرْضِ؟ فانْتَقِم اللَّهُ مِنْهُمْ أَشَدُّ انْتِقَامٌ |
النبي شيث هو نبي مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ، وَولَدَ سَيِّدِنَا آدَمَ
عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ ثَانِي نَبِيٌّ بعث على الأرض بَعْدَ أبيه، فبَعْدَ أَنْ
قَتْلَ قَابِيلُ أَخَاهُ هابيل، كانت المُصِيبَةٍ كَبِيرَةٌ آدم وحواء وحزنا حزنا
عَظِيمًا وأرهقامها هم شديد وصبرا وَحَمِدَا اللَّهَ، فأراد الله أن يجازيهما بولد
صَالِحٌ محبٍ شَدِيدِ الْبَر بوالديه حَتَّى إنَّ آدَمُ تَعَلُّقِ بِهِ وَ
أَحَبَّهُ حُبّاً شَدِيداً، فكان يعين أباه في أَمْرِ الدعوة والنصح والإرشاد،
فعلمه آدم مَا كَانَ لَدَيْكَ مِنْ عَلِمَ، وأوصاه بِأَمْر قَوْمِه وَطَلَب
مِنْهُم إخْفَاء الْوَصِيَّةِ عَنْ أَخِيهِ قابيل، لأنه كَانَ حقودا حسودا، ثم
توفي آدم عليه السلام فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فجاءته الْمَلَائِكَةَ بحانوط وكفن
من عند اللّهِ من الجنة فكفنته ودفنته الملائكة، فقام النبي شيث عليه السلام يدعو
الناس إلَى طاعة اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وتطبيق شريعَة اللَّهُ، وقد كان الناس في
زمانه عَلَى دين الْإِسْلَامِ يعبدون الله وَحْدَه و لَا يُشْرِكُونَ بِه شَيْئًا،
فظل يعلمهم أمور دينهم ويحذرهمْ من
الإختلاط بقَوْم أخيه قابيل لأنهم قوم فاسدون، حيث سكن هو وقومه في الجبال وسكن
قبيل وقومه السهول وصار الناس يمتثلون إلى شريعته وإلتزموا بأمره حتى مات، فأراد
الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ الْمُعَاصي فِي بَنِي آدَمَ لِتَكُون بِذَلِك بِدَايَة
العصيان في الأرض والخروج عن أمر الله تعالى، فذهب إلَى قَوْم قَابيلٍ لِأَنَّهُم
يَعْرِفُون بحبهم لِلْباطل وَالْمَعَاصِي فتشكل لهُمّ بهُيِّأة غلام، وعمل أجير
لدى رجل منهم فأخذ يبتكر لَهُم الْأُمُورُ الْغَرِيبَةُ وَأشْكَالٌ اللباس الْمُتَنَوِّعَة،
ثم جعل لهم عيدا يجتمعون فيه، فتتبرج فِيهِ النِّسَاءُ لِلرِّجَال، وصنع لهم
مزمارا كمزامير الرعاة وَأَخَذَ يزمر فِيه بصوت جميل لَم يَسْمَعُ مثله من قبل،
فأخذ الصّوْتَ ينتقل فِي الْهَوَاءِ حتي إقترب
مِنْ الْجِبال فسمعه بَعْض قوم آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ولفت غَرَابَتِه
انتباههم فأَخْذوا يقتربون مِنْ دِيَارِ قَوْمِ قابيل ويراقبونهم مِنْ بَعِيدٍ
يستمعون إلى مزاميرهم ولكنهم تذكروا أمر نبيهم فاكتفوا بِالِاسْتِمَاع
وَالْمُشَاهَدَة من بعيد، ولكن كان هناك رجل ضعيف النفس أغواه الشّيْطَانُ فعصى
أمر نبيه وأختلط بقوم قابيل في عيدهم فتعجب من حسن نسائهم وطريقة تبرجهن، حَيْثُ
كَانَتْ النساء من قوم قابيل صباح الوجوه شديدة الْجَمَال، فذهب الرَّجُلُ مُسرعا
إلَى قَوْمِهِ ليخبرهم بِمَا رأى من حسن وجمال وتبرج وَمَعَاصِي حَتَّى أغراهم
بِقَوْلِه وَصْفِه، فعصوا أمر نبيهم ودخلوا في عيدهم، وأختلطوا بنسائهم وفتنوا
بحسنهن، وافتتنت النساء بحسنهم فتحلقوا حَوْلِهِم وَحَدَّث الِلقَاء بَيْنَهُم،
لتكون ذلك أول جريمة زنا تَقَعُ عَلَى الْأَرْضِ فِي تَارِيخِ الْبَشَرية، ثم سمع
ضعفاء الْإِيمَانِ مِنْ قَوْم شَيْث ما
حدث فهفت نُفُوسُهُمْ إلَى الْمَعَاصِي والإفتتان بالنساء وفعل الفحشاء، فأخذوا يهاجرون
ويتسارعون حتى دب الفساد عَلَى الْأَرْضِ، وازداد الفسق والْفَوَاحِش فِي قَوْمٍ
قَابيل حتى إمتد فحشهم إلى خارج قراهم، فأخذوا يهجمون عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ فيأذونهم
ويعذبونهم ويَقْتَلُونَ مِنْهُم، حتى عم الفساد كَثِيراً مِنْ الْبَشَرِ.
ولكن بعد هذا الفساد والكفر والفتنة التي أصابت قوم شيث عليه السلام، أرسل
الله نبيه إدريس عليه السلام، فقد كان عابدا زاهدا كَثِير التَأَمُّلٍ فِي خَلْقِ
اللَّهُ تَعَالَى، طويل البنيه كَثِيفَ اللِّحْيَةِ كَثِير النَّظر إلَى الْأَرْضِ
في مشيته في عينيه مسحة حزن إذا غضب إحتد، وإذا تكلم حرك سبابته، وكان أعبد خلق
الأرض، فأرسله اللَّهُ تَعَالَى ليَقْضِي عَلَى الْكفر والفساد الذي فعله قوم
قابيل في الأرض، فكان أَوَّلِ مَنْ شَرَعَ الْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكان
أَوَّلُ مَنْ سَابا، حيث جهز الجيوش وأعد السيوف وهجم على قوم قابيل بالخيول
والمشاه فَهَزمهِم وَقَتَل وسبا مِنْهُمْ، فكَانَ سببا فِي تقليل شرهم عَلَى
الدُّنْيَا وتقليل الفساد والفحشاء عَلَى الْأَرْضِ، وكان له فَضْل عَظِيم على
البشرية، فكان أَوَّلُ مَنْ خَطِّ بِالْقَلَمِ وَكَتَب وَعَلَّمَ النَّاسَ
الكتابة، وَقَدْ أكَرَمه اللَّهِ تَعَالَى بأن رَفْعِ قَدْرَهُ فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ، قال تعالى:( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ۚ إِنَّهُ كَانَ
صِدِّيقًا نَّبِيًّا وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا)، فقد جعله الله
تعالى في السماء الرابعة، والتقاه النَّبِيِّ محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي رَحْلِهِ الإسْراءُ وَالمِعْراجُ، فالله أما اجْعَلْنَا مِنْ
العابدين الزاهدين من عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ الْمُخْلِصِين يا رب العالمين، هذا
والله تعالى أعلم وصلى الله وسَلَّم و بَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى
آلِهِ وَصَحْبِهِ أجمعين.
تعليقات