قِصَّةَ الْجَمَلِ الَّذِي تُحُدِّثَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ مُحَمَّدُ وَاشْتَكَى صَاحِبِه
كون النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَوَاةَ الْإِسْلَامِ مِنْ
خِلَالِ الدَّعْوَة السُّرِّيَّةِ فِي مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ بدَعْوَتِهِ النَّاس
لِمُدَّة ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ، ثُمّ الدَّعْوَة الْعَلَنيَّة لِمُدَّة عَشْرِ
سَنَوَاتٍ واسْتَخْدَم هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ الصَّبْر كوسيله لِدَفْع الْإِضطهَاد
وَالتَّعْذِيب، لَم يَسْتَخْدِم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُوَّة فبنى
الْمُجْتَمَع الْإِسْلَامِيَّة وَقام بترْبِيَّته إيمانيًا وروحيًا مِنْ خِلَالِ
بِنَاء الشَّخْصِيَّة الْمُسْلِمَة، هَذِهِ الْعَمَلِيَّة الْأُولَى، والثَّانِيَة
تَمَثَّلت بتَحْقِيق الْحِمَايَّة لِلْمُسْلِمِين دَاخِلَ الْمُجْتَمَعِ المكي
مِنْ خِلَالِ كِتْمَان الْإِيمَان و طَلَب الحِمَايَةِ مِنْ بَعْضِ سادة قُرَيْش
لأواصر الدَّم وَالْقَرَابَةُ أَوْ الصَّدَاقَة وَالْأَخْلَاق، وَبِفَضْل
أَخْلَاقِه وطيبته عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَقَدْ تَحَدّثَ مَعَه
الْجَمَل وإشْتَكَى صَاحِبَهُ، قَدْ تَسْأَل عَزِيزِي الْقارئ كَيْفَ تُحَدِّثُ
الجَمَل لِلرّسُولِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَكَيْف إشتكى صَاحِبِه؟
![]() |
قِصَّةَ الْجَمَلِ الَّذِي تُحُدِّثَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ مُحَمَّدُ وَاشْتَكَى صَاحِبِه |
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ:( أَرْدَفَنِي
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ ذَات يَوْمًا
فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لاَ أُحَدِّثُ به أَحَدًا مِنْ النَّاسِ، وَكَانَ
أَحَب ما اسْتَتر به رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِحَاجَتِهِ هَدَفا أَوْ حَائش نخلٍ فَدَخَلَ حَائِطَا لِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ
فَإِذَا جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حنْ
وذرفت عَيْنَاه فنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَت، فقال من رب هَذَا الْجَمَلِ؟ فجاء شاب مِنْ
الْأَنْصَارِ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ:ألا تتقي الله في
هذه البهيمة الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إياها فَإِنَّهُ شكاك إلَى وَزعم إِنَّك
تجيعه وتدئبه)، وعن
علي ابْنُ مُرَّةَ قَالَ:( رَأَيْتُ منْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ ما أَرَاهَا أَحَدٌ قَبْلِي كُنْتُ مَعَهُ فِي
طَرِيقِ مَكَّةَ فمر بامْرَأَةٍ مَعَهَا ابْنَ لَهَا بهِ لَِمٌ مَا رَأَيْت لمًا
أَشَدَّ مِنْه، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنِي هَذَا كَمَا تَرَى، فقال: إنْ شِئْت
دَعَوْت لَه، فدعى له ثُمَّ مضى فمَرَّ عَلَى بَعِيرٍ نادٍ جِيرَانه يرغوا،
فَقَالَ عَلِيَّ بصَاحِبِ هَذَا الْبَعِيرِ فجاء به، فَقَالَ: هَذَا يَقُولُ
نتجت عِنْدَهُم يَسْتَعْمِلُون حَتَّى إذَا كَبّرْت عِنْدَهُم أرادوا أن ينحروني،
قَالَ: ثُمَّ
مضى وَرَأى شَجَرَتَيْن مُتَفَرِّقَتَيْن فَقَالَ لي: اذْهَبْ
فَأَمْرُهُمَا فليجتمعا لِي، قَال: فإجتمعتا فقضى حاجته، قال: ثم مضى فَلَمَّا
انْصَرَفَ مَرَّ عَلَى الصبي وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ وَقَدْ ذَهَبَ
مابه وَهَيْئَة أُمِّه أَكْبَشًا فَأَهْدَت لَهُ كبشين، وَ قَالَت: مَا عَادَ به
شَيْءٍ مِنْ اللِّمَمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ شَيْءٍ
إلَّا وَيَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَّا كَفَّرَةٌ أَوْ فَسَقَة الْجِنِّ
وَالْإِنْسِ، إنْ كَانَ عجيبًا أن يُحِبّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَا فِيهِ حَيَاةٌ وَهُوَ لَا يُعْقَلُ كالشَّجَرِ الَّذِي كَانَ
يَعْرِفُهُ وَيُسَلِّم عَلَيْهَ وَالجَذع الَّذِي إشْتاق إلَيْه فالأعجب حَقًّا أن
يُحِبَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَيْسَ فِيهِ حَيَاةٌ
وَلَا عقل شَيْءٌ إذَا نَظَرْت إلَيْهِ ظَننت أنه لايعقل و لَا يَسْمَعُ وَلَا
يَرَى، وَلَكِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ يَسْمَع وَيَعْقِل، بل يحب النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَقَدْ أَنْطق حُبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَر و حَرَك الشَّجَر وَابْكِي الجِذع واسكب دَمْعٌ
الْبَعِير وَحُرِّك الْجَمَادَات وَالنَّبَاتَات شَوْقا إلَيْه وفرحًا بِهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَعَمْ إنِهَا آيات ومُعْجِزَات لِنَبِيّنا حدثت لَهُ
فِي حَيَاتِهِ وَرَآهَا أَصْحَابِه، فيجب تَصْدِيقِهَا وَالإِيمَانُ بِهَا حَقُّ
الْإِيمَانِ وهي مِنْ جُمْلَةِ دَلَائِل نُبُوَّة وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ
الْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي لَا تُعْقَلُ تُحِبّه وَتَشْتَاق إلَيْه وتطيعه وَتَمّتثل
أَمْره وَهي غَيْر مُكَلَّفَةٌ بِذلك فأَيْنَ نَحْنُ مِنْ حُبِّه صَلَوَاتُ
اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهَ؟ لَكِنَّ أَيْنَ نَحْنُ مِنْ أَتْبَاعِهِ وَطَاعَة
أمْرَه، وَكَذَلِك الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَبِسُّنَّة وبهديه، هذا اللَّهُ تَعَالَى
أَعْلَى وَأَعْلَم وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ
وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
تعليقات