كَيْفَ تَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ؟ ما هُو العهن الْمَنْفُوش ؟
سنتعرف اليوم عَلَى تَفْسِيرِ قَوْله
تَعَالَى:( بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَتَكُونُ
الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ صدق اللَّهِ الْعَظِيمِ)، فهيا بنا
لنتعْرِفُ على تَفْسِيرِ الآية.
كَيْفَ تَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ؟ ما هُو العهن الْمَنْفُوش ؟ |
في البداية تعالوا نَتَعَرّف مَا هُوَ العهن الْمَنْفُوش وهو نفش الغنم أَيْ إنْتَشارها، وكَمَا قَالَ تَعَالَى: بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ صَدَقَ اللَّهُ
الْعَظِيمِ)، و
أَمَّا الإبل النوافش فهي الْمُتَرَدِّدَة لَيْلا فِي الْمَرْعى بِلَا راعٍ
ومَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش فهي تَفْسِيرها
كالصُّوف المندوف فِي خفَةٍ سيرها حَتَّى تَسْتَوِيَ مَعَ الأرض، وَأَمَّا
تَفْسِيرُ ابْنِ كَثِيرٍ يَعْنِي قد صارت كَأَنَّهَا الصُوف الْمَنفوش الذي قد شرع
في الذهاب والتمزق، وكَمَا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ
وَقَتَادَةَ وعطاء الخرساني والضحاك العهن هو الصوف ثم أخبر تعالى عمَا يَؤل إِلَيْهِ عَمَلُ الْعَامِلِين وَمَا يُصِيرنَا
إلَيْهِ مِنْ الْكَرَامَةِ وَالْإِهانَة بِحَسَب أعَمَلِهِمَ، وَأَمَّا تَفْسِيرُ
الْقُرْطُبِيِّ فيَقُول الْعَهن هو الصوف الذي ينفش باليد أي تصير هباء وتَزُول،
كَمَا قَالَ جل جلاله فِي مَوْقِع الْآخَرِ (بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا صِدْقُ اللَّهُ العظيم)، وكما قال أحد علماء الأزهر الشريف أن في الآيات هذه المعاني
وهي الجبال أَي الْعَظِيمَة الرَّاسية، وَالْعَهْن قيل الصوف مطلقا وقيل أيضا
الْمَصبوغ مِنْهُ ذو الْأَلْوَان، أما
الْمَنْفُوش فهو مدق الصُّوف حَتى يَنتفش بعضه عن بعض وَهُوَ أهون مَا يَكُونُ مِنْ الصُّوفِ
والمعنى المراد المبعثر الَّذِي تَفَرُّقَت أَجْزَائِهِ، وخلاصة هذا
المَعْنَى أَنَ هذا اليوم لشدته وهوله
تصِير فِيهِ الجِبَالُ وهي الثقيلة الْقَوِيَّة والراسية وتصبح كالصوف الذي نفش
فيه ففرقت شعراته بَعْضِهَا عَنْ بَعْضِ حَتَّى صار عَلَى حال يطير مع أضعف ريح،
وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ حال ما يَحْصُل لبعض الأجسام الْعَظِيمَةِ الَّتِي مِنْ طَبيعَتِهَا
الِاسْتِقْرَار وَالثَّبَات وَذَلِك لفخامتَهَا وَثِقَلِهَا عَلَيَّ الأَرْضُ، فما
بالك بِمَا يَحْدُثُ لِلْإِنْسَانِ وَهُوَ مَخْلُوقٌ ضَعِيفٌ، حدثنا بن عبد الأعلى
قال: عن معمر
عن قتادة قال:
هو الصوف وَذَكَّر أَن الْجِبَال تَسِيرُ عَلَى الْأَرْضِ وَهِيَ فِي صُورَةِ
الْجِبَال كَالهْواء فسر الإمام الراحل محمد متولي الشعراوي قَوْله تَعَالَى:( بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ
مَرَّ السَّحَابِ صَنَعَ اللّهُ الَّذِي أَتْقَن كُلِّ شَيْءٍ أَنَّهُ خَبِيرٌ
بِمَا تَفْعَلُون صدق الله الْعَظِيم)، و قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ مُتَوَلِّي
الشَّعْرَاوِيّ أننا نرى الجبار نظنها جامدة وسُمِّيَت بالرواسي أي الثابتة في
الأرض ولكنها في الواقع تمرمر السحَاب، وَهَذَا لَن يَتَمَكَّنْ الْإِنْسَانِ مِنْ
إدْرَاكِه مَا دام الِاثْنَيْنِ معا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٌ وتابع فِي كلامه قائلا: هذا الأمر في
الدُّنْيَا لَيْسَ كَمَا يَقُولُ البعض إنّهُ فِي الآخِرِة لِأَنَّهُ فِي
الْآخِرَةِ الجبال تَكُونَ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ فوقتها تتفتت ولا تمر،
وكذَلِكَ يعبر عن ذلك فِي هَذَا الْوَقْتِ بفعل اليقين وَلَيْسَ
بفعل الإحْتِسَاب الَّذِي يَتَعَيَّنُ
فِيه معنى الإحتمالية و اللَّهُ تَعَالَى أعلى وأعلم .
تعليقات