مَنْ هُوَ الصَّحَابِيُّ الَّذِي كَانَتْ الْمَلَائِكَةُ تُسَلِّمُ عَلَيْهِ؟ وَلِمَاذَا لَقَبٌ بشبيه الْمَلَائِكَةُ؟
تعد صحابة رسول الله صلى الله عليه وَ سَلَّم أفضل الْبَشَر بَعْد
الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ، فلقد إصطفاهم
اللَّهِ تَعَالَى ليكونوا أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ومؤيديه ومعينه لينشر دَعْوَتِه الْإِسْلَامِيَّة، وكانوا كَمَا
أَرَادَهَم اللَّهُ تَعَالَى مُخْلِصِينَ مُؤْمِنِينَ متفانين فِي نَشْرِ
الدَّعْوَةِ والجهاد فِي سَبِيلِهَا، حَتّى أَثني اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فِي
كِتَابِهِ الْكَرِيمِ، فَقَالَ تَعَالَى:( مُحَمَّدِ رَسُولُ اللَّهِ وَالّذِينَ
مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكّعًا
سُجّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي
وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ)، فمِنْ هُوَ الصَّحَابِيُّ الَّذِي
كَانَتْ الْمَلَائِكَةُ تُسَلِّمُ عليه؟ ولِمَاذَا لقب بشبيه الْمَلَائِكَةَ؟ هذا
ما سوف نسرده في مقالة اليوم.
مَنْ هُوَ الصَّحَابِيُّ الَّذِي كَانَتْ الْمَلَائِكَةُ تُسَلِّمُ عَلَيْهِ؟ وَلِمَاذَا لَقَبٌ بشبيه الْمَلَائِكَةُ؟ |
من هو :
عمران بن حصين، صحابي جليل مَنَّ الله عَلَيْهِ بصفات وَمَنَاقِب عديدة ونعم
شامله قلما يتمتع بِهَا صَحَابِيَّ، رغم أَنَّه أَسلم مُتَأَخِّرًا فِي الْعَامِ
السَّابِعِ الْهَجَرِيّ وتحديدا بَعْدَ غَزْوَةِ خَيْبَرَ، وحاز يومها عَلَى شرف
عَظِيمِ أَذ تَمَكَّنَ من مصافحة النَّبِيّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، ولإدراكه بِهَذَا
الشَّرَف قَدْ أَقْسَمَ أَنَّهُ لَا يَسْتَخْدِمُ هَذِه اليد إلا فِي طَاعَةِ
اللَّهِ وَعَمِلَ الخَيْرِ، كَانَ الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ حَاز من الله نعم
كَثِيرة، فَقَدْ كَانَ الصَّحَابِيِّ الَّذِي سَلَّمْتُ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ
وَهُوَ مِنْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ شَبِيهٌ الْمَلَائِكَةِ، بل ووَصَلَ إلَى مَرْتَبَةِ عَالِيَةٌ بِزِيَارَة
الْمَلَائِكَةِ لَهُ فِي منزله وهو أمر أدركه كَثِير مِنْ الصَّحَابَةِ
وَالتَّابِعِينَ بِشَكْل رفَع مَقَام الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ وجعله مَحَلَّ
تَقْدِير وَتَعْظِيم للجميع.
قِصَّة سلام الملائكة على الصحابي الجليل:
تعود إلَى يوم كَانَ فِيهِ الصَّحَابَةُ برفقة النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسأَله قائلين: يَا رَسُولَ اللَّهِ ما لنا إذَا كَانَ عِنْدَك رقت
قلوبنا وزهدنا دنيانا وَكَأننا نَرى الْآخِرَة رأي الْعَيْنِ حَتَّى إذَا
خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِك وَلقينا أَهْلِنَا وَأَوْلادَنَا وَدُنْيَانَا،
أَنْكَرْنَا أَنْفسنا، رد عليهم الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَائِلًا: وَاَلَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ تدومون عَلَى حَالِكِم عِنْدِي لصافحتكم الْمَلَائِكَة
عَينَا، وَ لَكِنْ سَاعَةَ وساعة، وهنا سمع الصَّحَابِيّ الجليل عِمْرَانَ بْنِ
حُصَيْنٍ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فاشتعلت أشواقه وَكَأَنّمَا إلَّا عَلَى نَفْسِهِ
إلَّا يَقْعُد دون تلَّك الْغَالِيَة الْجَليلَة، ولو كلفته حياته سَاعَةً
وَسَاعَةً، فأراد أَنْ تَكُونَ كُلُّها سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ مَوْصُولَةٌ النّجوَى وَالتَّبَتُّل
لرَبِّ الْعَالَمِينَ، الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ الذي كان صوامَا قوامَا عَابِدًا
زَاهِدًا ذا علَم وفقه شديد، أُطْلِقَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ لورعه شَبيه
الْمَلَائِكَة، وَذَلِكَ لسيطرة حب اللَّهِ وَطَاعَتِهِ والخوف منه على
حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، وَمَعَ هَذا كان يدَاوم
الْبُكَاء ويقول: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ رَمَادًا تذروه الرياح.
لماذا لقب عمران بن حصين بشبيه الملائكة؟
الصَّحَابِيّ عِمْرَانَ بْنِ
حُصَيْنٍ شبيه الْمَلَائِكَةَ لَمْ يَكُنْ يشغله عَن الْعِبَادَةِ شَاغِلَ، فاسْتَغْرَقَ
في العبادة حَتَّى صار كَأَنَّه لَا يَنْتَمِي إلَى عَالَمِ الدُّنْيَا وَإِنَّمَا
مَلَكَ يَحْيَى مَعَ الْمَلَائِكَةِ يُحَادِثهم ويُحَادِثُنه وَيُصَافِحُهم
ويصافحونه، ومع هذا كان الصَحَابِيّ
الجليل حريصا على مظهره، حيث كانَ يَرْتَدي ثِيابٌ جَيدَةٌ، وَعِنْدَمَا يَتِمّ
سُؤَالِه عَنْ زهده وصومه وقِيامَه فِي الْوَقْتِ نفسه وارتداء هَذِه الْمَلَابِس،
قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( أَنْ اللَّهَ
إذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدِ نِعْمَةً يُحِبُّ أَنْ تُرى عَلَيه)، وبعد وفاة
سَيِّدِنَا أَبِي بَكْرٍ وتولي الفاروق عُمَرَ أَرْسَلَه الخَلِيفَة الرّاشِد
الثَّانِي إلى الْبَصْرَة ليفقه أَهْلِهَا وَيُعَلِّمُهُم، وفِي الْبَصْرَةِ حطَّ
الرّحَّالَ وَأَقْبَلَ عَلَيه أَهْلِهَا مذَ عَرَفَوه يَتَبَرَّكُون بِه ويستضيئون
بِتقواه، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ مَا قَدَّمَ الْبَصْرَةِ
مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ يَفضل
عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَاستمْر الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ في الزهد والورع
وَتَعْلِيم الْمُسْلِمِين الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ طوال عهدي عُمَرُ وَعُثْمَانَ
إلَى أن اندلعت الْفِتْنَةِ بَيْنَ الْخَلِيفَة الرّاشِد الرَّابِعَ عَلِيُّ بْنُ
أَبِي طَالِبٍ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،
حَيْث تَبنِّي مَوْقِفٌ المحايدة، وَرَفْعُ صَوْتِهِ بين الناس داعيا إيَّاهُمْ
أَنْ يُكُفُّوا عن الإشتراك في تلك الحروب، ويَقُولُ: لَأن أرعى أَعنْزَ حِضْينات فِي رَأْسِ جَبَلٍ حَتَّى
يدركني الْمَوْتِ، أحب إلي مِنْ أَنَّ
أَرْمِيَ فِي أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ بسهم أخطأ أم أصاب.
الأحاديث التي رواها عمران بن حصين:
بل إن الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ الَّذِي روى عَشَرَات مِنْ الْأَحَادِيثِ عَنْ
الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يوصي مِنْ يَلْقَاهُ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ قَائِلًا: إلزم مسجدك، فَإِنْ دَخَلَ عَلَيك فالزَم بَيْتِك، فإن
دَخَلَ عَلَيْك بِيتك مَنْ يُرِيدُ نفسك ومالك فقَاتَلَه، إعراضاً مَنْه على
الإنخراط في الفتنة، ورغم الْمَسِيرَة الْعَامَّة وَالزُّهْد وَالتَّقْوَى فَقَدْ
أَصَابَ الصَّحَابِيَّ الْجَلِيلَ مُرْضٌ موجع تعَامُلَ مَعَه بالصَبْرِ وَعَدَم
الضَّجَر طُوالَ ثلاثين عاما، بل كان مثابرا عَلَى عبَادته إذَا هَوِّن عَلَيْه
عُوادَه أَمْر علته بِكَلِمَات مشجعة
إبتسم لَهُمْ وقَالَ: أَنَ أَحَبُّ الْأَشْيَاءِ إلَى نَفْسِي أَحَبُّها إلى
الله، بل أنه أوصى أهله والْمُقَرَّبِينَ مِنْهُ بالْقَوْلَ إذَا رَجَعَتْم مِنْ
دَفْنِي فانْحَرُوا وأطعموا، وكانت وفاته خلال حُكْم مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي
سُفْيَانَ عام اثنين وخمسين للْهِجْرَة، حيث أكد مِنْ عَاصرِ الصَّحَابَي الجليل
أن جنازته كَانَتْ تُشْبِهُ حَفْلِ زِفَافٍ، حَيْثُ كَانَ توَاقَ بشَدة
لِمُقَابَلَة رَبَّهُ طبعا فِي جَنَّةِ عَدْنٍ عرضها السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.
هذا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَم وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى
سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
تعليقات