ماحكم المسح على الجوارب التي نرتديها اليوم؟
إختلف العلماء في عصرنا الحالي حول المسح على الجورب إذا كان صحيحا أم لا، فقد
ثبت في السنة النبوية بالمسح على الخفين، وقد ألحق بهما جمهور العلماء الجوربين،
والجورب كما قال "الخليل الفراهيدي" هو لفافة الرجل، ولذلك سوف نوضح آراء
العلماء حول حكم المسح على الجوارب من خلال مقالنا اليوم.
ماحكم المسح على الجوارب التي نرتديها اليوم؟ |
حكم المسح على الجورب:
الفرق بين الجورب وبين الخف هو أن يكون الخف مصنوعا من الجلد، أما الجورب فلا
يكون من جلد بل يكون مصنوع من الصوف أو كتان أو القطن، وفي وقتنا الحاضر يصنع أيضا
من النايلون، ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في المسح على الجوربين،
وأما الحديث الذي رواه الترمذي من طريق أبي قيس عن هزيل بن شرحبيل عن المغيرة بن
شعبة قال:( توضأ
النبي صلى الله عليه وسلم ومسح على الجوربين والنعلين) فهذا الحديث حديث
شاذ وضعيف، يقول أبي داود في "السنن": ( كان عبد الرحمن
بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث لأن المعروف عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم
مسح على الخفين)، فقال
علي بن المديني:
(حديث المغيرة بن شعبة في المسح، رواه عن المغيرة: أهل المدينة وأهل
الكوفة وأهل البصرة وراء هذه بن شرحبيل عن المغيرة إلا أنه قال: ومسح على
الجوربين وخالف الناس انتهى من "السنن الكبرى" للبيهقي، وقال
المفضل بن غسان:
( سألته يحيى ابن معين عن هذا الحديث؟ فقال: الناس كلهم يرونه
على الخفين، غير أبي قيس) انتهى من "السنن الكبرى" للبيهقي، وضعفه
أيضا سفيان الثوري والإمام أحمد، وابن معين، ومسلم والنسائي والعقيلي، والدارقطني،
والبيهقي.
صح المسح على الجوربين عن الصحابة:
قال ابن المنذر: (رواء إباحة المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب الرسول صلى
الله عليه وسلم وهم علي بن أبي طالب، وعمار بن ياسر، وأبي مسعود، و أنس بن مالك،
وابن عمر، والبراء بن عازب، و بلال، وأبي أمامة، وسهل بن سعد) انتهى من "الأوسط"، وقال
ابن القيم: ( وزاد أبو
داود: أبو
أمامة، وعمرو بن حريث، وعمر، ابن عباس، فهؤلاء ثلاثة عشر صحابيا والعمدة في الجواز على هؤلاء رضي الله عنهم لا
على حديث أبي قيس، وقد نص أحمد على جواز المسح على الجوربين وعلل رواية أبي قيس وهذا
من إنصافه وعدله رحمه الله، وإنما عمدته هؤلاء الصحابة، وصريح القياس، فإنه لا
يظهر بين الجوربين والخفين فرق مؤثر يصح أن يحال الحكم عليه" انتهى من
"تهذيب
السنن"، وقال
ابن قدامة:( الصحابة
رضي الله عنهم، مسحوا على الجوارب، ولم يظهر لهم مخالف في عصرهم، فكان إجماعا) إنتهى من "المغني"، وكذلك
كان لا فرق بين الخف والجورب من حيث المظهر فقال شيخ الاسلام: ( فان الفرق بين
الجوربين والنعلين: إنما هو كون هذا من صوف وهذا من جلود، ومعلوم أن مثل هذا
الفرق غير مؤثر في الشريعة فلا فرق بين أن يكون الجلود أو القطن أو الكتان، كما لم
يفرق بين سواد لباس الإحرام وبياضه، وغايته أن الجلد أقوى من الصوف هذا لا تأثير
له، كما لا تأثير لكون الجلد قويا، وأيضا: من المعلوم أن
الحاجة إلي المسح على هذا كالحاجة إلى المسح على هذا، ومع التساوي في الحكمة والحاجة يكون التفريق بينهما تفريق
بين المتماثلين وهذا خلاف العدل والإعتبار الصحيح الذي جاء به الكتاب والسنة، وما
أنزل الله به كتبه وأرسل به رسوله و من فرق يكون هذا ينفذ الماء منه وهذا لا ينفذ
منه الماء، فقد ذكر فرقا طرديا عديم التأثير) انتهى من "مجموع
الفتاوى"
وهناك من أجاز المسح على الجوربين ولكن بشروط:
(يشترط
المسح عليهما أن يكون ثخين يمكن متابعة المشي فيهما)، لأن حكم الجورب
حكم الخف والخوف لا يكون إلا صفيقا ولا يمكن للدورة أن ينزل من نزله الخوف إلا إذا
كان مثله، قال الكاساني:( فإن كان يرقيني شفا الماء، فلا يجوز المسح عليهما
بالإجماع) انتهى "من بدائع
الصنائع"، وقال
ابن القطان الفاسي: (وأجمع الجميع أن الجوربين إذا لم يكن كثيفين لم يجوز المسح
عليهما) انتهى من
"الإقناع
في مسائل الإجماع"، و سئل شيخ الإسلام: هل يجوز المسح
على الجورب والخف أم لا؟ فقال: نعم يجوز المسح على الجوربين إذا كان يمشي فيهما سواء
كانت مجلد أو لم تكن) انتهى من "مجموع الفتاوى"، وفي "فتاوى
اللجنة الدائمة":
( يجب أن يكون الجورب صفيقا لا يشف عما تحته) وقالوا: (يجوز المسح على
كل ما يستر الرجلين ما يلبس عليهما من الخفاف والجوارب الصفيقة) انتهى من "فتاوى
اللجنة الدائمة"، وقال
الشيخ ابن باز:
( من شروط المسح على الجوارب: أن يكون صفيقا ساترا فإن كان شفاف لا يجوز المسح عليه
لأن القدم والحال ما ذكر في حكم المكشوفة) انتهى من "فتاوى
الشيخ ابن باز".
و من العلماء من أجاز المسح على الجوربين مطلقا:
قال النووي:
( وحكى عن اصحابنا عن عمر وعلي رضي الله عنهما جواز المسح على الجورب وإن كان
رقيقا، وحكوه عن أبي يوسف و محمد و إسحق وداود) انتهى من "المجموع
شرح المهذب"، وهو ما
يرجعها الشيخ الألباني والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله ولكن ما سبق هو قول عامة
العلماء وهو الأرجح، لأن العمدة في الجواز القياس على الخفين والجوربين شفاف
الرقيق ليس مثل الخف فلا يقاس عليه، والجوارب التي كان يمسح عليه الصحابة كانت ثخينه
لان الجوارب الشفافة لم تعرف إلا متأخرا وقد قال الإمام أحمد: ( لا يجزئه المسح
على الجورب حتى يكون جوربا صفيقا إنما مسح القوم على الجوربين أنه كان عندهم بمنزلة
الخف يكون مقام الخوف في رجل الرجل يذهب فيه الرجل ويجيء) انتهى من "المغني" لابن
قدامة
فإن قيل لماذا اشترط العلماء في الجورب هذه الشروط؟
قال المباركفوري: ( الاصل هو غسل الرجلين كما هو ظاهر القرآن والعدول عنه لا
يجوز الاب أحاديث صحيحة إتفق على صحتها أئمة الحديث حديث المسح على الخفين في إجازة
العدول عن غسل القدمين الى المسح على الخفين بلا خلاف، وأما أحاديث المسح على
الجوربين في صحتها كلام عن دائمه الفن، فكيف يجوز العدول عن غسل القدمين الى المسح
على الجوربين مطلقا، علاج لذلك اشترطوا جواز المسح على الجوربين بتلك القيود ليكون في
معنى الخفين ويدخلها تحت أحاديث الخفين والجوربين إذا كان ثخنين صفيقين، بحيث يستمسكان
على القدمين بل اشد ويمكن تتابع المشي فيهما، فلا شك في أنه ليس بين هذين الجوربين
والخفين فرق مؤثر لأنهما في معنى الخفين، وأما إذا كانا رقيقين بحيث لا يستمسك على
القدمين بلا شد، ولا يمكن تتابع المشي فيهما، فهما ليس في معنى الخفين فلا شك في
أن بينهما وبين الخفين فرقا مؤثرا.
تعليقات