القائمة الرئيسية

الصفحات

كيف دخلت عبادة الأصنام مكة

 

     دخلت الأصنام في أعظم بيوت الله في الأرض، وتحوَّلت من حياة التوحيد إلى حياة الشرك والوثنية
    ، لم يكن هذا هو الإشراك الأول في الجزيرة العربية، فقد أشركت بالله قبل ذلك قبائل عاد وثمود من العرب البائدة.
    ولم يكن هذا هو الظهور الأول لعبادة الأصنام في الدنيا، فقد كان قوم نوح يعبدون الأصنام من دون الله، لكن كانت هذه هي المرة الأولى التي تدخل فيها الأصنام بيت الله الحرام، والمرة الأولى التي ينحرف فيها أحفاد إسماعيل عليه السلام إلى عبادتها، وقد حدث هذا في زمن حكم خزاعة لمكة.

    متى دخلت الأصنام إلى مكة وما حولها؟

    استمرت خزاعة إلى عهد قصي بن كلاب، وبين قصي وفهر ستة جدود، فلو كانت سيطرة خزاعة حدثت في عهد فهر فهذا يعطي 200 سنة سيطرة والله أعلم، ويعني أيضًا أن الأصنام دخلت مكة قبل قصي بالفترة نفسها، وبين قصي ورسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة جدود، يعني بين وفاته وميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم حوالي مائة سنة (90 سنة)، فيكون بذلك دخول الأصنام إلى مكة قبل ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم بحوالي 300 سنة.

    عمرو بن لحي الخزاعي (أبو خزاعة):

    كان عمرو بن لحي الخزاعي رئيس خزاعة، وكان من أكثرهم مالًا، ويُقال إنه فقأ عين عشرين بعيرًا، أي ملك عشرين ألف بعير، لأن العربي كان يفقأ عين بعير واحد إذا ملك ألفًا، ليدفع عنها العين والحسد، أتى عمرو بن لحي بصنم من الشام اسمه هبل، فوضعه في الكعبة، وأمر الناس أن يتَّخذوه واسطة إلى الله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3].

    كان صنم هُبَل أول صنم للمشركين وأعظمه وأقدسه عندهم، كان من العقيق الأحمر على صورة إنسان، مكسور اليد اليمنى، أدركته قريش كذلك، فجعلوا له يدًا من ذهب.
     
    انتشرت الأصنام في الجزيرة العربية بعد نشأتها في مكة:
     
    1-  قال ابْنُ إِسْحَاقَ: «نَصَبَ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ الْخَلَصَةَ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ، فَكَانُوا يُلْبِسُونَهَا الْقَلَائِدَ، وَيُهْدُونَ إِلَيْهَا الشَّعِيرَ وَالْحِنْطَةَ، وَيَصُبُّونَ عَلَيْهَا اللَّبَنَ، وَيَذْبَحُونَ لَهَا، وَيُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا بَيْضَ النَّعَامِ،
    2- وَنَصَبَ عَلَى الصَّفَا صَنَمًا يُقَالُ لَهُ نَهِيكٌ مُجَاوِدُ الرِّيحِ، وَنَصَبَ عَلَى الْمَرْوَةِ صَنَمًا يُقَالُ لَهُ مُطْعِمُ الطَّيْرِ»[1].
    3- إساف ونائلة: فَلَمَّا كَانَ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ أَمَرَ النَّاسَ بِعِبَادَتِهِمَا (إساف ونائلة) وَالتَّمَسُّحِ بِهِمَا، وَقَالَ لِلنَّاسِ: إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانَ يَعْبُدُهُمَا.
    فَلَمَّا كَانَ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ نَقَلَهُمَا فَوَضَعَهُمَا عَلَى زَمْزَمَ وَطَافَ النَّاسُ بِهِمَا.
    4- ويُذْكَر أن عمرو بن لحي كان له رئيٌّ من الجن، فأخبره أن أصنام قوم نوح -ودًّا وسواعًا ويغوث ويعوق ونسرًا- مدفونة بجُدَّة، فأتاها فاستثارها، ثم أوردها إلى تهامة، فلما جاء الحجُّ دفعها إلى القبائل، فذهبت بها إلى أوطانها؛ فأما ودٌّ فكانت لكلب، بجَرَش بدَوْمَة الجندل، وأما سواع فكانت لهذيل بن مُدْرِكة برُهَاط من جهة الساحل بقرب مكة، وأما يغوث فكانت لبني غُطَيف من بني مراد، بالجُرْف عند سبأ، وأما يعوق فكانت لهمدان في قرية خَيْوان من أرض اليمن، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع في أرض حمير.
    5- «مَناة»، وكانت لهُذَيْل وخزاعة، وكانت على ساحل البحر الأحمر ناحية الْمُشَلَّل بقُدَيْد، وذكر ابن إسحاق أن عمرو بن لحي هو الذي نصبه هناك، وكان الأوس والخزرج يُهلُّون من عنده.
    6- «اللات» في الطائف، وكانت لثقيف.
    7-  ثم اتخذوا «العُزَّى» -وهي أَحْدَثُ من اللات ومناة- بوادٍ من نخلة الشامية، ويُقال إن عمرو بن لحي هو الذي وضعها كذلك، وهو لخزاعة، وكان معظَّمًا عند قريش، بل عند كل بني كنانة.
    {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [النجم: 19 - 23]
    كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ بِنَاتُ اللَّهِ كَمَا حَكَى عَنْهُمُ ابْنُ عَطِيَّةَ وَصَاحِبُ «الْكَشَّافِ» وَسِيَاقُ الْآيَاتِ يَقْتَضِيهِ[2].
    8- أصنام أخرى في الجزيرة العربية؛ ذو الخَلَصَة لدَوْس، وفِلْس لبني طيء، وسعد لبني بكر ومالك وملكان أبناء كنانة.

    تشريعات مبتدعة، وتحريم وتحليل بالهوى!

    {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [النحل: 116].

    الذبائح:

    قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرِ بْنِ لُحَيٍّ الخُزَاعِيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ»[3].
    عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَرَأَيْتُ عَمْرًا يَجُرُّ قُصْبَهُ، وَهْوَ أَوَّلُ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ»[4].
    روى أحمد وهو صحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّائِبَةَ، وَبَحَرَ الْبَحِيرَةَ»[5].
    عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، يَقُولُ: إِنَّ الْبَحِيرَةَ الَّتِي يُمْنَعُ دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ، فَلَا يَحْلُبُهَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، وَأَمَّا السَّائِبَةُ الَّتِي كَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لِآلِهَتِهِمْ، فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا شَيْءٌ[6].
    وعن أَبِي هُرَيْرَةَ قال: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِأَكْثَمَ بْنِ الْجَوْنِ الْخُزَاعِيّ "يَا أَكْثَمُ رَأَيْت عَمْرَو بْنَ لُحَيّ بْنِ قَمْعَةَ بْنِ خِنْدِفَ يَجُرّ قُصْبَهُ فِي النّارِ فَمَا رَأَيْت رَجُلًا أَشْبَهَ بِرَجُلِ مِنْك بِهِ وَلَا بِك مِنْهُ. فَقَالَ أَكْثَمُ عَسَى أَنْ يَضُرّنِي شَبَهُهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ لَا، إنّك مُؤْمِنٌ وَهُوَ كَافِرٌ إنّهُ كَانَ أَوّلَ مَنْ غَيَّرَ دِينَ إسْمَاعِيلَ فَنَصَبَ الْأَوْثَانَ وَبَحَرَ الْبَحِيرَةَ وَسَيّبَ السّائِبَةَ وَوَصَلَ الْوَصِيلَةَ وَحَمَى الْحَامِي"[7].
    قال ابن كثير: فَلَمَّا كَانَ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ نَقَلَهُمَا فَوَضَعَهُمَا عَلَى زَمْزَمَ وَطَافَ النَّاسُ بِهِمَا[8].
     
     


    [1] «أخبار مكة للأزرقي» (1/ 196)، وقال دهيش: إسناده حسن.
    [2] ابن عاشور: التحرير والتنوير، 27/ 103.
    [3] البخاري (3333).
    [4] البخاري (4348).
    [5] أحمد (8773)، وقالل: شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
    [6] مسلم (2856).
    [7] البزار: البحر الزخار، 15/ 384.

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

مقالات تهمك
التنقل السريع